طبيخ منتصف الليل على الفضائية الموريتانية

[حين يكتشف الآخرون تفاهة برامج تلفزتنا الوطنية، تزداد قناعتنا بأنه لا شيء أكثر تشويهاً لصورتنا في الخارج من "تلفزتنا". القدس العربي نشرت مقالا مشحونا بالسخرية والتهكم على تلفزتنا.] 

 

هل جرب أحدكم ذات ليلة زيارة التلفزة الموريتانية..؟ 

لقد فعلت لعلّي أتعرف على برامج عربية أخرى من أقصى الديار العربية فماذا وجدت..؟ احذروا...!! ولا سيما في بلد بلغت فيه نسبة الأمية الذروة القصوى (58 بالمائة) حسب الإحصاءات العربية والدولية. كانت م.م.ع، وهذا اسم مقدمة برنامج (دنیا المرأة)، منشغلة بمحاورة امرأة أخرى عرفت في ما بعد أنها رئيسة جمعية سعادة الأم والطفل (والتي كانت حريصة على ذكر كلمة «الرئيس رعاه الله» في كل جملة لها). فالرئيس هو الذي يسهر على رعاية الأطفال ، ورقي المرأة ، وهي تطالب النساء بأن لا يخيبن أمل الرئيس الذي ينشغل على طول بالاهتمام بالمرأة وأبنائها..!! 
لم أستطع الحصول على جملة مفيدة بخصوص دور هذه الجمعية العتيدة في إسعاد أمهات وأطفال الموريتانيين في ظل حديث تتكرر به مفردات لازمة في اللهجة الموريتانية اليومية وليس عبر التلفزة الوطنية مثل (افهمتي، واسمعتي) وهي محطات للتنفس أو التلعثم كانت ترشق بها رئيسة الجمعية مقدمة البرنامج التي كانت بدورها تقرأ أسئلتها من ورقة مكتوبة وتتصرف أمام الكاميرا بطريقة طالبة مدرسة وليس مذيعة محترفة، بحيث انني كدت أشفق عليها من هول الموقف..!! ليس هذا مربط الفرس، ولكن السؤال يأتي من الفقرات الأخرى المخصصة للمرأة حيث من الطبيعي أن تُبث هذه البرامج في الفترة الصباحية أثناء وجود النساء في البيوت مادام أن «دنيا المرأة» موجه لهن، فلماذا تبثه التلفزة الموريتانية في منتصف الليل مثلا.. لاسيما أن فقرة منه مخصصة -كالعادة- للطبخ حيث قدمت لنا احدی النساء طبخة هائلة وهي (كبدة مقلية) ولم يكن الأمر بحاجة الى جهد كبير لكن على المرأة أن تملأ فراغ البرنامج وخصوصا مع مرافقة طبخها لجمل ومفردات متقطعة مثل (ملح ، ثوم ، خلطة زیت ، طنجرة...) وذكرها أن الكبدة غنية بعنصر الحديد، وأن هذه الوجبة تصلح للكبار والصغار والشيوخ واليافعين، وطلبة المدارس.. وربما زوار التكايا وأبناء السبيل..؟ 
غير أن الفقرة الأخرى الكوارثية كانت عن المطالعة حيث أطلق الرئيس حملة ودور الكتب، وكان التقرير الميداني يتحدث عن نقل مسيري المكتبات بعد معالجة الكتب الى عواصم الولايات والكلام هنا لناقل التقرير، والمهم ان هذه الفقرة نقلت لنا صورا ذهبية لأبناء الشعب الموريتاني وهم يترددون بكثافة على دور الكتب، يسحبون کتبا ومجلدات غامضة من الأرفف، وكل واحد منهم، نساء ورجالا، كان يمسك بالكتاب ويقرأ فيه، وقد أكدت جميع النساء اللواتي تحدثن للبرنامج أن المطالعة قد غيرت حياتهن.. قالت احداهن وهي تعمل كوافيرة نسائية وبيدها کتاب «تعلمي فن الكوافير»: لقد رغبت في التعرف على المعلومات الخاصة بالحلاقة النسوية لأنها مهنتي ولا شك أنني استفدت كثيرا. وهناك امرأة أخرى تعمل خياطة تمسك بكتاب (فن الخياطة والتفصيل)، ورابعة استفادت من كتب الطبخ وتربية الأولاد، والخامسة بدت عليها ملامح فقر الدم تقرأ بكتاب (الفيتامينات وأهميتها).. ولا أريد هنا أن أبدو مبالغا اذا قلت ان كل امرأة من اللواتي تحدثن ذكرن «رعاية الرئيس» للكتب ومساهمته الفعالة في ترقية الشعب وكان ذكره لازمة لا مفر منها بسبب أو بدون سبب مثل (الحمد لله)!! 
لقد بدا التقرير الميداني مفتعلا ومبالغا فيه، ومتناقضا أيضا.. فإذا علمنا أن احدى الاحصائيات تقول إن معدل ما يقرأه الفرد المصري يبلغ ساعتين سنويا، فإن يبدو لنا من خلال هذا البرنامج أن الفرد الموريتاني، والمرأة خصوصا، تقرأ ساعتين يوميا، والطريف في الموضوع أن كل واحدة من هؤلاء تقرأ في التخصص نفسه معلومات ابتدائية..!! 
لهذا أقترح أن أقول من الآن فصاعدا: مصر تكتب ولبنان يطبع وموريتانيا تقرأ..!! 

 

يحيى القيسي، المراسل الثقافي لـ«القدس العربي» في عمّان. 

 

المصدر: القلم العدد 233 بتاريخ 10 ابريل 2003.

جمعة, 05/03/2021 - 22:54