لنفتح الحدود حتى نُوقف عمليات التسلل!

طالعتُ بعض المنشورات التي يرى أصحابها بأن ترك المعابر مفتوحة، وتوفير أماكن حجر صحي لكل الداخلين من تلك المعابر قد يكون أجدى وأنفع، وقد يحول دون عمليات التسلل التي ستزداد بعد إغلاق الحدود، خاصة وأن حدودنا تصعب مراقبتها لطولها، فهي تزيد على 5000 كلم، منها 2237 كلم مع مالي، و813 كلم مع السنغال.

قد يبدو هذا الطرح وجيها في ظاهره، ولكنه في جوهره ليس كذلك، وهو يصطدم بجملة من الأمور لعل من أهمها:

1 ـ أن فتح الحدود لن يوقف عمليات التسلل، فهناك عدد كبير من الموريتانيين العائدين سيحاول أن يتجنب نقاط العبور، وسيلجأ إلى التسلل ومغالطة السلطات، حتى لا يتم حجره صحيا لمدة أربعة عشر يوما.

2 ـ لو فُتحت المعابر فإن آلاف الموريتانيين الذين يوجدون الآن في دول ظهرت فيها إصابات عديدة بفيروس كورونا سيقررون العودة إلى وطنهم، وستكون السلطة بحاجة إلى فتح مئات مراكز الإيواء والاستقبال لتوفير حجر صحي لهم. يعني أن الدولة ستجد نفسها مضطرة لأن تتفرغ لأفواج العائدين، وأن تخصص كل إمكانياتها لتوفير أماكن حجر صحي لهم.

3 ـ إن كل محنة تخفي في طياتها منحة، وإن لكل أزمة بعض الجوانب الإيجابية التي يجب أن تستغل أحسن استغلال، ونحن إن لم نستثمر الأزمة الحالية في تعزيز اللحمة الوطنية، وفي الرفع من مستوى التكافل والتآزر بين أفراد المجتمع، وفي فرض النظام، وإجبار المواطنين على الانصياع للقانون، إننا إن لم نفعل ذلك، فسنكون قد ضيعنا فرصة ثمينة للحد من الفوضى وانتهاك القانون التي تطبع سلوك المواطن الموريتاني. هذه فرصتنا لتغيير سلوك المواطنين، ولجعلهم أكثر انضباطا وأكثر احتراما للقانون، فعلينا أن لا نضيع الفرصة.

فلتواصل السلطات إغلاق الحدود، ولتتخذ كل التدابير والإجراءات اللازمة لمراقبة الحدود، ولمنع أي عملية تسلل قد يقدم عليها أي مواطن، وعلينا كمواطنين نسعى للصالح العام أن ندعمها في ذلك من خلال الإبلاغ عن أي حالة تسلل نطلع عليها.

إنه علينا أن نعلم بأنه لا فرق بين الإرهابي الذي قد يحاول أن يتسلل إلى بلادنا لتنفيذ عملية إرهابية تتسبب في سقوط ضحايا أبرياء، لا فرق بينه وذلك "الإرهابي الآخر" الذي يقرر أن يهرب في أيامنا هذه  من بلد تفشى فيه الفيروس، ويتسلل إلى الأراضي الموريتانية لنقل الفيروس إلى مواطنين أبرياء قد يكون من بينهم ذويه، ولا ذنب لأولئك المواطنين إلا أنهم وُجدوا في مكان خطأ جمعهم صدفة  بذلك "الإرهابي المتسلل" الذي يستخدم حزاما من الفيروسات بدلا من حزام من المتفجرات، وقد يكون الحزام الأول أخطر وأشد فتكا من الحزام الثاني.

إن أي مواطن موريتاني يهرب الآن من بلد تفشى فيه الفيروس، ثم يقرر الدخول إلى بلده متسللا، إنما يمارس عملا إرهابيا فظيعا، سواء علم بذلك أو لم يعلم، وإن كل من يعينه أو يتستر على فعله الإجرامي ذاك، إنما يشاركه في الجرم، علم بذلك أو لم يعلم.  

في المقابل، فإن هناك مواطنين على النقيض تماما من ذلك، ويقدمون الآن تضحيات كبيرة للدفاع عن وطنهم ولحمايته من زحف فيروس كورونا، ومن هؤلاء يمكننا أن نذكر :

1 ـ كل الأطباء وكل العاملين في قطاع الصحة، وكل رجال الأمن الذين يقفون الآن على الخطوط الأمامية لصد هجوم الفيروس ووقف زحفه...هؤلاء هم الأبطال حقا، وهم يستحقون المزيد من الدعم الحكومي والشعبي، على ما يقدمون من خدمات جليلة لوطنهم. 

 2 ـ كل أولئك الموريتانيين الشرفاء الذين قرروا البقاء في بلدان موبوءة مخافة أن يجلبوا العدوى لبلادهم. وكل أولئك الذين قرروا عند عودتهم إلى أرض الوطن من قبل إغلاق الحدود أن يعرضوا أنفسهم طواعية على السلطات الصحية لفحصهم، ولإدخالهم في الحجر الصحي إن استدعت حالتهم الصحية ذلك. 

3 ـ كل أولئك الموريتانيين الذين قرروا أن لا يكتفوا بالتفرج في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ بلدهم، فمنهم التاجر الذي يناضل بماله من أجل تموين السوق بالسلع والبضائع الضرورية وبيعها بسعر معقول، ومنهم رجال الإعمال الذين تبرعوا ، ومنهم  الموظف الذي يناضل بتأدية عمله على أحسن وجه، ومنهم ناشط المجتمع المدني الذي يناضل بجهده ووقته في مجال التوعية والتحسيس، ومنهم العالم والسياسي والشاعر والفنان والصحفي والمدون، وكل من يوظف الكلمة للتصدي للفيروس، وسواء كانت تلك الكلمة منطوقة أو مكتوبة أو مصورة . 

4 ـ كل أولئك الموريتانيين البسطاء الذين قد لا يملكون ما يقدمون، ولكنهم في المقابل قرروا  أن يشاركوا في الجهود الرامية للتصدي لوباء كورونا من خلال الاستجابة الكاملة لتوجيهات وأوامر السلطات في هذا الشأن.

إن كل هؤلاء المواطنين الذين عددناهم في هذه الأصناف الأربعة هم الشرفاء حقا، وإن كل أولئك الذين يتسللون إلى داخل البلاد قادمين من بلاد موبوءة، أو الذين يعينوهم أو يتستروا عليهم، أو أولئك الذين يحاولون أن يستغلوا الوضعية الراهنة لكسب المزيد من الأرباح من خلال رفع الأسعار..كل هؤلاء خونة. وبين الشرفاء والخونة توجد طائفة من المواطنين السلبيين الذين يكتفون الآن بالتفرج، وكأنهم غير معنيين بما يهدد بلادهم من مخاطر.

حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com

 

أحد, 29/03/2020 - 09:36