خفافيش موريتانيا

رتبة الخفافيش Chiroptera هي الثدييات الوحيدة القادرة على الطيران في موريتانيا، وان كانت هنالك بعض أنواع السناجب التي تملك القدرة علي الطيران بشكل جزئي، إلا أنها غير ممثلة في بلادنا.
الخفافيش مجموعة شديدة التنوع حيث يوجد خفاش ضمن كل خمسة أنواع من الثدييات التي تعيش اليوم، فهي تحل المرتبة الثانية بعد القوارض من حيث أعداد أنواعها. يعود السبب في ازدهار الخفافيش، إلى قدرتها على الطيران التي تتيح لها الاستفادة من الموارد التي لا تستطيع الثدييات الأخرى الوصول إليها، ومع ذلك، فلم يحدث أن قام أي من الثدييات الأخرى بغزو عنان السماء، إنها قصة نجاح لا نظير لها.
بالإضافة إلي القدرة علي الطيران تستطيع معظم الخفافيش أيضا أن تحدد مواقعها بالرصد الصدوي ويمكن لهذه الحيوانات الليلية، بإرسالها أصوات عالية الذبذبة ومن ثَمَّ تحليل أصدائها المنعكسة، أن تكتشف عوائق أو فرائس بدقة تفوق كثيرا دقة الرؤية. الخفافيش يمكن أن ترى ويمتلك أغلبها عيونا صغيرة. فهناك أكثر من 85% من أنواع الخفافيش التي تعيش اليوم تستخدم الرصد الصدوي في تحديد الموقع. أما البقية الباقية، فتنتمي إلى فصيلة واحدة هي خفافيش الفاكهة في العالم القديم، التي تدعى أحيانا بالثعالب الطائرة ، والتي فقدت على ما يبدو هذه القدرة على استخدام حاسة السمع وعوّلت بدلا منها، على نحو كامل، على حاستي البصر والشم لإيجاد الثمار والأزهار التي تتغذّى بها.
إن وجود بعض الأنواع القليلة الماصة للدماء وهي بالمناسبة غير ممثلة في بلادنا ،ساهم في إعطاء صورة لا تعكس طبيعة هذه الحيوانات المسالمة ،إلا أنها تعتبر مخزنا للعديد من المسببات المرضية فتحتضن مثلا فيروسات عديدة مثل كورونا، الكلب، السارس ، لذلك لا ينصح بالاحتكاك بها لغير ضرورة.

خفافيش موريتانيا

للأسف الشديد لا توجد دراسة تحليلية شاملة تمكن من وضع لائحة لأنواع كاملة للخفافيش في بلادنا إلا أن باحثين عدة أسهموا خلال عقود في دراسة تنوعها، نذكر علي سبيل المثال A. R. POULE والذي درس تنوع عائلة الخفافيش ذات الذيل الفأريي في كهوف اكجوجت عام 1969 و الباحثين Petr Bendaو Antonín Reiter و Marcel Uhrin الذين اثبتوا وجود نوع جديد في ضواحي كيهيدي 2011 والعينة محفوظة في متحف التاريخ الطبيعي في جمهورية التشيك،كما ساهم الباحث José Manuel Padial-Fregenal بتحديد نوعين جديدين سنة 2005 وهو بالمناسبة النسخة الحديثة من الباحث Théodore monod فله منا كل الشكر والتقدير.
إن البحوث المختلفة مكنتنا لحد ألآن من تأكيد وجود 17 نوعا من الخفافيش في موريتانيا تنتمي لرتيبتين هما:
رتيبة الخفافيش الكبيرة (آكلة الفاكهة) ينحصر وجودها في المناطق المدارية ، فرو هذه الخفافيش طويل وناعم كثيف، و لا وجود للذيل عند هذه الخفافيش ، و آذانها صغيرة لأنها لا تعتمد علي الرصد الصدوي، و حاستا الشم و الرؤية متطورتان جدّا لامتلاكها عينان كبيرتان وتضم نوعا واحدا فقط وهو الخفاش آكل الثمار تبني اللون Eidolon helvum التابع لعائلة Pteropodidae و يعتبر أكبر الخفافيش في بلادنا و يتغذى على الثمار و يعتمد علي الرؤية البصرية فيي حياته ويعيش عادة بشكل جماعي.
الرتيبة الثانية وهي رتيبة الخفافيش آكلة الحشرات ،و هي خفافيش صغيرة تتواجد في أغلب مناطق العالم ،ولها ذات آذان كبيرة،و ذات خطم صغير و عيون صغيرة لأنها تعتمد أساسا علي الرصد الصدوي وتضم 16 نوعا ممثلة بست عائلات نذكر منها:

• عائلة الخفافيش الحدوية Rhinolophidae وتضم في بلادنا أربعة أنواع و تتميز بأنفها الموجود في مقدمة الجبهة ،و الذي يحوي نتوءات جلديه تشبه أوراق الشجر وقد سميت بهذا الاسم لأن الجزء الأمامي يشبه حدوة الفرس بينما الخلفي مفلطح ؛

• عائلة الخفافيش ذات الذيل الفأري Rhinopomatidae
أخذت اسمها من شكل الذيل البارز حيث يكون بارزا عن غشاء الطيران ، و تتميز خفافيش هذه العائلة بوجود بروز لحمي علي الخطم وذيل طويل وفتحات انف مغطاة بصمامات مثلثة وتمثل في موريتانيا بثلاثة أنوع نذكر منها خفاش فأري الذيل القصير Rhinopoma hardwickei وهو خفاش يمتاز بذيله الذي يشبه ذيل الفأر يتميز بأنفه العاري من الثنيات الجلدية و فتحتا الأنف بارزتان شيئا ما، وهو متكيف للبيئات الصحراوية ويعيش بمفرده أو في جماعات صغيرة في الشقوق والكهوف وسجل وجوده في كهوف متعددة بانشيري

• عائلة الخفافيش الشائعة أو الليلة Vespertilionidae
خفافيش هذه العائلة منتشرة في كل أنحاء العالم عدا المنطقة القطبية ،و تتميز خفافيش هذه العائلة بأنها صغيرة الحجم و ذات ذيل مغطى بغشاء الطيران و ذات خطم بسيط لا يحتوي على صفائح غشائية بينما تتخذ فتحات الأنف الشكل الدائري أو البيضاوي الهلالي ،بينما الأذنين لديها كبيرة مزودة بغطاء .وهي ذات فرو ناعم ذو لون باهت .تتغذى هذه الخفافيش على الحشرات و أحيانا تتغذى على الأسماك و الجواثم من الطيور وتمثل في بلادنا بخمسة أنواع نذكر منها خفاش شليفين Nycticeinops schlieffeni وهو خفاش صغير ذو أرجل و ذيل قصيرة كما أن اذناه قصيرتان و عريضتان ، ذو لون بني محمر إلى رمادي شاحب يعيش على الأشجار وفي المنازل في مجموعات صغيرة يتغذى على العث والحشرات الصغيرة مثل الخنافس الصغيرة حيث يلتقطها أثناء الطيران بين الأشجار ونذكر أيضا خفاش Pipistrellus rueppellii الذي تم مسكه ليلة 22 من مايو 2002 في بحيرة محمودة بالحوض الشرقي

• عائلة الخفافيش ذات الذيل الغمدي Emballonurida
خفافيش هذه العائلة تعيش في المناطق الاستوائية و الشبة استوائية، تشمل هذه العائلة الخفافيش الأصغر حجما بين الخفافيش ، وهي غالبا ذات لون بني أو رمادي و هي ذات ذيل قصير يبرز من غشاء الذيل ،و أغلبها لديها غدد في أجنحتها حيث تطلق منها فرموناتها الجنسية لجذب الإناث . تتميز بأنف عاري من الثنيات الجلدية ، تقتات هذه الخفافيش على الحشرات و أحيانا على الفواكه وتمثل في بلدانا بنوعين نذكر منهما خفاش المقابر عاري البطن Taphozous nudiventris

 

الأهمية البيئية للخفافيش

تلعب الخفافيش أدوارا هامة في التوازن البيئي ،حيث تضبط أعداد الحشرات الليلية كالبعوض كما تساهم في تلقيح النباتات ،لذلك كان لزاما علينا توفير الحماية لها خصوصا أن بعض أنواعها مهددة بالانقراض.
علمتنا التجارب عبر العالم بان زيادة الوعي بأهمية التنوع الإحيائي ،هي الضمان الأساسي للمحافظة علي البيئة ،خصوصا أن قاصري النظر من الساسة ،كثيرا ما يتخذون قرارات كارثية قد لا تظهر انعكاساتها ألا بعد فوات الأوان.
إن البعثات العلمية من اكبر مراكز الإشعاع العلمي ،تسبر كل شبر من بلادنا لتعود بعينات تحفظ في متاحف التاريخ الطبيعي قي كل أرجاء المعمورة ، إما نحن فلا نأخذ حتي عناء الاطلاع علي نتائج ما نشر عن تنوعنا. 

المهندس الهيبة ولد سيد الخير

جمعة, 17/04/2020 - 11:26