موسيقانا لم تتجاوز حدودنا

في السّنة الماضية، كنتُ أدير مفتاحَ جهازي الإذاعي، فوقعت صدفةً على موسيقى لم أستطع أن أعرف ماذا إذا كانت صينية أو يابانية ولكنّي استمعتُ بها كثيراً لدرجة أني تركتُ المحطة التي كنتُ أبحثُ عنها لأستمتع بتلك الموسيقى الجميلة التي لم أفهم من كلماتها أو لغتها شيئاً ولم أعرف حتّى جنسيّتها، مع ذلك فقد عبّرت –كلغة في حد ذاتها- عن وجداني و إحساسي، وتسائلتُ في نفسي ما إذا كان الصّيني يستمتعُ بموسيقى موريتانية عندما يصادفها عبر الأثير في جاهزهِ الإذاعي؟

لكن ذاكرتي سرعان ما أسعفتني بالجواب، ففي سنة 1980 عندما كنتُ أدرسُ في الشّرق العربي، زارني زميل مصري يدرسُ معي، وكنتُ أستمع لأغنيةٍ لفنان موريتاني مرموق، فسألتُ الأخ المصري ما إذا كان أعجب بالأغنية فقال : "لم أفهمها" قلتُ أعرفُ أنّك لم تفهمها ولكن هل أعجبتك كموسيقى وغناء فقال مجاملاً : "نعم، إنها جميلة". قلتُ أريدُ الحقيقة، بما يذكرك هذا الغناء وماذا يعني بالنّسبة لك ؟ قال : "إنه يشبهُ صوت البدوي ينده الإبل". 

وانتهى الحديث بنوع من الضحك و الفكاهات ولم أفهم البعد الحقيقي لذلك الجواب إلا عندما التقطت صدفة تلك المحطة و أعجبتني رسالتها الموسيقية فأدركتُ أن المسألة لا تعني اللغة بالمفهوم الضيق ولكنها تعني أن الموسيقى الصينية تجاوزت حدود الصين كغيرها من موسيقى شرقية أو غربية وأنّ موسيقانا لم تتجاوز حدودنا. 

منذ سنتين وقعت حرب إذاعية كبيرة بين مقدمي برامج الموسيقى بهيئة الإذاعة البريطانية و المستمعين الموريتانيين، وسبب هذه الحرب أتهام الأخيريين للأوليين بأنهم لا يهتمون بالموسيقى الموريتانية، ولا يقدمون منوعات منها في برامجهم الموسيقية المختلفة، وتابعتُ تلك الحرب حتى أذاعَت هيئة الإذاعة البريطانية قبل شهرين أن مبعوثها السيّد هاني العربي سيقوم بزيارة موريتانيا للبحث عن مواد غنائية و موسيقية من القطر الموريتاني لتقديمها إلى المستمعين. 

 

المصدر : محمد ولد محمد علي، موسيقانا لم تتجاوز حدودنا.

مجلة صدى المرابطون، العدد الأول 1987.

اثنين, 25/05/2020 - 22:35