كواليس المفاوضات السرية بين موريتانيا والبوليساريو (5)

ما إن سقطت طائرة الوزير الأول أحمد ولد بوسيف في المحيط، واستتب الأمر لرئيس الوزراء الجديد ولد هيداله بعد إقصائه للعقيد المصطفى ولد محمد السالك وتشكيل حكومته يوم 3 يونيو، حتى تسارعت الأمور بشكل لافت سواء على المستوى الداخلي (هيداله يعلن خلال اجتماع لمجلس الوزراء أن البوليساريو حليف موضوعي لموريتانيا) أو على المستوى الخارجي حيث ستنطلق مفاوضات جديدة مع البوليساريو وتخرج إلى العلن شخصية مثيرة للاهتمام ظلت حتى ذلك الوقت تكتفي بالتواجد في الكواليس.

وبحسب ما يرويه الرئيس ولد هيدالة في مذكراته، فإن الاتصالات مع البوليساريو كانت تتم عبر وسيط هو أحمد باب مسكه الذي سبق وأقام سرا لعدة أيام في القصر الرئاسي بدعوة من الرئيس المصطفى ولد محمد السالك بعد أن كان قد دخل إلى البلاد التي غادرها نهاية الستينات من جهة سينلويس بالتنسيق مع وزير الخارجية شيخنا ولد محمد لقظف. وحين وصل هيدالة إلى السلطة جدد أحمد باب الاتصال به واتفقا على عقد اجتماع بين موريتانيا والبوليساريو على هامش مؤتمر منروفيا خلال شهر يوليو.

ورغم أن البوليساريو ستتحدى "حاكم نواكشوط" الجديد بتنفيذ هجومها الدموي على تشله يوم 12 يوليو، فإن ولد هيداله سيستجيب لضغوط من الرئيس المالي موسى اتراوري ويقبل في منروفيا استقبال البشير مصطفى السيد الذي كان –بحسب الرئيس هيدالة- "متشنجا خلال اللقاء وظل يضرب الطاولة ويقول سلموا لنا أرضنا، انهوا احتلالكم لأرضنا.."، ثم سيستجيب لضغوط جزائرية للقاء البشير مجددا في منروفيا ويتفق معه بطريقة "غامضة للغاية" على مواصلة المفاوضات في الجزائر، بحسب تعبير الدبلوماسي الفرنسي برتراند فيسار دفولولت (المعروف ب"ولد كيجه).

وفي منروفيا كان هناك أحمد باب مسكه كما أنه سيرافق الوفد الموريتاني المتوجه إلى الجزائر لعقد اتفاقية السلام. 

فحين سأل الصحفي بشير بن يحمد المقدم احمد سالم ولد سيدي خلال مقابلته المذكورة آنفا: "يبدو أن أحمد باب مسكه لعب دورا مهما في هذا الاتفاق"، أجابه قائلا: "كلما اعرفه أن أحمد باب كان مع هيداله في منروفيا. وفي يوم ذهابنا إلى الجزائر عبر فرنسا حاول الاتصال بي من دكار وكان موجودا بعد ذلك في باريس ولكنني لم ألتق به في فرنسا. وفي الجزائر فرض علينا البروتوكول الجزائري حضوره وكان في القاعة التي تم فيها التوقيع".

أي دور لعبه أحمد باب في اتفاقية الجزائر وهو الذي التحق بالبوليساريو منذ سنة 1974 وتركها بهدوء سنة 1978 بعد صدور كتابه "جبهة البوليساريو: روح شعب"؟ هل من باب الصدف أن يترك أحمد باب العمل مع البوليساريو في نفس الفترة التي يحصل فيها الانقلاب العسكري في موريتانيا وأي علاقة له بذلك الانقلاب؟ وهل كان هناك اتفاق مسبق بينه وبين الانقلابيين على لعب دور في موريتانيا في مرحلة ما بعد الانقلاب؟

 

ثلاثاء, 01/10/2019 - 10:11