عصابة الـSABOT!!

سيدة أوقفت سارتها على رصيف السوق المركزي، فجاء شخصان يقودهما رجلا أمن في زيهما الرسمي فـ"عقلوا" سيارة السيدة بما يسمونه قفلا أو Sabot. ثم طلبوا منها، لما عادت، دفع 3000 أ/ق مقابل فك أسرها. 

سألتهم لماذا؟ قالوا: لأن الوقوف هنا ممنوع. قالت: أين علامة أو إشارة ذلك أو الإشعار به؟! قالوا: نحن العلامة! قالت: لما ذا لم تنبهوني على المنع حين ركنت سيارتي أمامكم حتى لا أوقفها هنا...؟!!

فقال الشرطي بصلافة وحزم: إذا أردت تحرير سيارتك ادفعي المبلغ وحسب!

في الجانب المقابل رصيف عليه علامات تشير إلى أنه خاضع للرسوم، ولكن لا يوجد من يأخذون الرسوم؛ بل يأتي من يضعون القفل على السيارات ويطالبون أصحابها بدفع 3000 أ/ق "غرامة" لأنهم لم يدفعوا الرسم اللعين! 

هل هي لعبة أدوار خبيثة لجباية مزيد من المال؛ يرفع "الحصص النسبية"... أم هو نقص العمال وإهمالهم، مع كثرة عدد السيارات وبطء وتعقيد عملية الدفع نفسها: (إخراج دفتر الوصل والبحث عن الصفحة، والبحث عن قلم، وإخراج الهاتف والبحث فيه عن الوقت، والبحث عن رقم السيارة، والبحث عن مكان مناسب لوضع الدفتر... وتدوين البيانات بيد مغلولة بمستوى الأمية أحيانا...!!)؟؟!

 

**

قبل أشهر ظهر عمال يحملون اسم شركة خصوصية تسمىMauri-Stat  (لم نجد من سمع بها من قبل!) يتقدمهم رجال أمن رسميون من الشرطة الوطنية وأمن الطرق، يفرضون رسوم توقف بمعدل 100 أوقية للساعة، و3000 أ/ق عقابا لمن لم يدفعها؛ سواء عن جهل أو رفض أو لعدم وجود وكلاء الجباية أنفسهم في عين المكان!!

ويبدو الآن أن رسوم الأرصفة التي يسمونها، غباء أو استغباء: "مواقف سيارات"، لم تعد كافية. فقررت الشركة أن تضيف الى "صلاحياتها" التحكم في التوقف ((Stationnement في الأماكن الأخرى... 

فكأنك إذا لم تجد مكانا على رصيف الرسوم أو اخترت مكانا آخر لتفادي هذه الضريبة مثلا، ستجد سيارتك معتقلة بتلك الصفيحة الصفراء القبيحة!

وقد تنتظر ساعات طويلة قبل العثور على حامل المفتاح الذي من خلفه رجال الشرطة وأمن الطرق مهمتهم إجبارك على دفع 3000 أ/ق صاغرا مقابل إطلاق سراحك بسيارتك!

وعندما تدفع المبلغ، طوعا أو كرها، تستلم وصلا، لا أثر فيه لأي جهة رسمية، وخاصة البلدية التي يزعم رجال الأمن أنها سخرتهم لهذه المهمة الجبائية الخاصة!

 

**

في موقع بلدية تفرغ زينة على الشبكة، المليء بالادعاءات والمبالغات (حتى لا أقول شيئا آخر؟) لم أجد ذكرا لهذه الشركة ولا للعملية برمتها، سوى جملة صغيرة في "سوفيات" البلدية الكثيرة تقول: 

"إنشاء مواقف للسيارات بالقرب من المواقع الأكثر ارتيادا" 

فهل ذلك الإنشاء هو صفقة بيع تلك المواقع لهذه الشركة وتزويدها بقوة "اتفرصي" عمومية، وأخذ الثمن والاختفاء أو الاختباء؟!

في الواقع لا توجد مواقف للسيارات في المدينة ولا في تلك المناطق خاصة، وإنما توجد جوانب مبلطة من الشوارع الرئيسية، تسميها الشركة المحظوظة: مواقف سيارات وتضع عليها علامات المواقف "P"arking العالمية، دون أن تتكلف تنظيمها، ولا حتى تنظيفها!!

أما الشركة نفسها (Mauri-stat) فلم نعثر لها على موقع ولا بيان؛ بل لا تتضمن وصول الجباية ولا الغرامة التي تسلمها لـ"ضحاياها"، موقعا ولا عنوانا ولا رقم هاتف ولا أي مرجع (الصورة)!

والأغرب من ذلك أنه لا توجد أي إشارة ولا ذكر لبلدية "تفرغ زينة" التي "تُفرَض" الجبايةُ والعقوبات باسمها!!

وقد عثر البحاثة البارع "غوغل" على اسم الشركة إياها في خبرين فقط، يتعلقان بها وبصفقتها مع البلدية (التي ربما كانت نشاطها الوحيد) في اثنين من المواقع الموريتانية المغمورة.

ويبدو من صياغة الخبرين أنهما إعلان دعائي في جلد خبر! فقد ذكرت لهما مثلا أنها "وفرت فرص عمل للآلاف من الشباب الموريتانيين العاطلين عن العمل، كما ساهمت في إضفاء مسحة عصرية على العاصمة الموريتانية نواكشوط"، وهاتان ـ حتى الآن ـ كذبتان واقفتان!

ومع حداثة هذه الشركة، التي يوحي تعريفها بأنها بِنتُ صفقتها! فإن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو معرفة الأسس القانونية أو البلدية أو حتى العرفية، التي يتم على أساسها جباية هذه المبالغ الطائلة بطريقة تشبه "شراك الصيد"، وتسخير القوة العمومية لذلك... بدون وجود علامة أو مرجع لأي جهة عمومية... والأهم: دون وجود أي تغيير أو تنظيم أو حتى تنظيف للأرصفة والشوارع التي تصطاد عليها هذه الجماعة ضحاياها، باسم "مواقف السيارات"... وما هي إلا جوانب نفس الطرق والشوارع الضيقة المتربة التي كانوا يوقفون عليها بمساعدة أجدى وأنفع، من غاسلي السيارات؟؟!

 

ليست مواقف!

 

وعلى أي حال فإن دفع رسوم مقابل استخدام مواقف السيارات أمر معروف ومعمول به في معظم دول العالم وخاصة تلك التي تتوفر فيها بنية طرقية ومواقف للسيارات منظمة، محمية ومؤمنة... وتخضع رسومها ومخالفاتها وغراماتها لنصوص قانونية ونظامية، محلية و/أو وطنية.

كما أن إسناد بعض الخدمات العمومية من هذا القبيل لشركات خاصة أمر معروف في النظام الليبرالي، لكنه يكون خاضعا لشروط ابتدائية صارمة هي الكفاءة والاختصاص والتجربة، وقيود مصاحبة قوية من الرقابة والمحاسبة على الجودة والالتزام.

 

**

ـ في انواكشوط لا تتوفر أصلا مواقف للسيارات وإنما أرصفة عامة تسمى في عالم الطرق: "أكتاف الطريق"، لخدمات وقوف سيارات النقل (للركوب والنزول فقط) أو لمرور سيارات الاسعاف والشرطة...الخ، ومع ذلك تعتبرها البلدية وزبونها المدلل "مواقف".

ـ ليس هناك أي تنظيم ولا تحرير ولا تجهيز ولا إصلاح ولا تنظيف... لهذه الأرصفة التي يحتلها الباعة وتغطيها الرمال والقمامة...!

ـ لا يوجد أي استثمار ولا إصلاح ولا خدمة من تلك الشركة، وبالتالي لا يبدو أن هناك أي مقابل على الإطلاق لهذه الرسوم والغرامات المجباة على أصحاب السيارات... بل إن الشركة لم تفلح في توفير "أقفال" جيدة أو محترمة، فاستخدمت صفائح خشنة وسلاسل بالية وأقفالا تقليدية، على طريقة ربط البهائم (الصورة)!

أسئلة حائرة

 

وبناء على كل هذا تبرز أسئلة الى الجهات العليا التي ظننا أنها، كما تقول، تسعى للإصلاح ودرء الفساد وتسهيل حياة الناس. بينما صاحت تلك المرأة في الجمهور قائلة: "رحم الله الحجاج ما أعدله"، ولذلك معنى عندها!!

وفعلا لم يصل فساد العشرية إلى هذا المستوى؛ بل إن سلطات النظام السابق رفضت محاولة سابقة لجباية رسوم المواقف من خصوصيين، كانت أكثر ملاءمة وتحضرا، إذ تعتمد المخالصة الآلية بماكنات النقود، كما يحدث في دول العالم.

* ما هو الأصل التشريعي لفرض رسوم على استخدام أرصفة بعض الشوارع، وهل تعتبر تلك الأرصفة أصلا مواقف نظامية للسيارات؟

* لماذا لا تستثمر البلدية أو الجهة، مالا في إنشاء مواقف قياسية للسيارات ـ أرضية أو طبقية ـ واقتناء أجهزة الدفع والرقابة الآلية المتوفرة في الأسواق والبسيطة في تشغيلها وتكاليفها، وتقوم هي نفسها وباسمها ووسمها بإدارة وجباية الرسوم، كما تفعل في المجالات الأخرى؟

* لماذا يعطى حق الجباية لهذه الشركة بالذات، وما هي ظروف وشروط منحها هذه الصفقة، وهل من رقابة أو قيود على نشاطها؟

* هل تملك تلك الشركة حق التشريع لنفسها، وتوسعة نشاطها من فرض رسوم على المواقف الى حق سلطة المرور في مراقبة وقوف السيارات، ومنعها من استخدام الأماكن الأخرى، ومعاقبة المخالفين بحجز سياراتهم وتغريمهم...؟

* هل في المدونة الجبائية للجمهورية الاسلامية الموريتانية باب يسمى "رسوم الصابو" لحساب رجل أعمال بعينه وشركته (الصورة)؟

* هل تملك تلك الشركة الخصوصية حق استخدام قوات الأمن العمومية المسلحة لجباية الرسوم والغرامات لحسابها الخاص؟

* هل يندرج هذا النشاط، الذي تتمول به جهة خصوصية بالضرائب القسرية بواسطة سلطة الدولة وبدون أي مقابل لفائدة العموم، في باب الإصلاح والشفافية اللذين وعدنا بهما فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، أم في باب الفساد الذي وعدنا بمحاربته...؟!

* هل من الإصلاح أن تظل الدولة تتعامل مع شركات وهمية أو شخصية، يتم إنشاؤها من فراغ، وربما من احتيال، لغرض الفوز بصفقة عمومية معينة، وتفوز بها! رغم أنها لا تملك أي مقومات ولا خبرات لإنجازها؟

 وأخيرا متى ستختفي المظاهر البائسة من تسخير القوة العمومية لجباية الضرائب والرسوم المستحقة للدولة؛ ناهيك عن تلك غير المستحقة وللخصوصيين أيضا...

ومتى سيدركون أن المواطنين مستعدون للدفع شريطة أن يكون مبرَّرا بمقابلِ فائدة حقيقية، وعادلا في مقداره وعمومه بالمساواة دون استثناء؟؟!

هل من جواب، أو خطاب...؟!

ثلاثاء, 22/09/2020 - 13:16