نذر الحرب الباردة في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟

خطاب دونالد ترامب وشي جينبينغ أفصح عن حجم الأزمة الخانقة التي يعيشها النظام العالمي و التي يفترض من الأمم المتحدة أن تكون أحد أعمدة حلها وهذا ما تعلمه المنظمة الدولية نفسها التي تدرك أكثر من غيرها ضرورة إجراء إصلاحات جذرية تستجيب لتطلعات سكان الكرة الأرضية والمنحصرة أساسا حسب دراسات الهيئة الأممية نفسها في ضرورة 

 

القضاء على الفوارق الإجتماعية ووقف الحروب والنزاعات والحفاظ على ما تبقى من الوسط البيئي على وجه المعمورة.

 

النظام العالمي التعددي المبني على القواعد والنظم والأمم المتحدة هي واجهة ذلك النظام يفترض من الدول وخاصة الكبرى منها القبول بدبلوماسية متعددة الأطراف تقبل القواعد والنظم الدولية وتنصاع لها إلا أن ما نشهده الآن هو وجود دولتين عظميين هما الولايات المتحدة والصين تبنيان سياستيهما على أساس سيادة القرار واستقلاليته كل على طريقته الخاصة.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثلا يرى في الأمم المتحدة منبرا يخاطب من خلاله الجمهور الأمريكي فقط ولم يكن خطابه في أي وقت من الأوقات موجها للعالم بل كان خطابا داخليا انتخابيا في حين أن الصين حاولت تبني خطاب عالمي متعدد الأطراف ولكن في الجانب الإقتصادي فقط لأنها 

 

تتمسك بالسيادة الوطنية واستقلالية القرار فيما يتعلق بالجوانب السياسية وخاصة الانتقادات الموجهة لها في مجال حقوق الإنسان حيث تعتبر ذلك شأنا داخليا صينيا.

المواجهة بين الولايات المتحدة والصين خلقت حقيقة عالمية جديدة مناقضة للتعددية وهذا ما رأيناه جليا من خلال خطابي ترامب وشي جينبينغ.

 

ترامب وجد في الصين كبش فداء وشماعة يعلق عليها فشله في نقطتين أساسيين في سياسته:

الأولى مكافحة جائحة كورونا حيث ما انفك يصف كورونا بالفايروس الصيني ويدعو إلى تحميل الصين مسؤولية انتشار الجائحة عبر العالم 

والثانية فشل سياساته البيئية المتمثل في قراره الإنسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ والعجز عن السيطرة على الحرائق التي تلتهم مساحات شاسعة من بلاده وسياسة النفي المستمر لخطر التغيرات المناخية واتهام الصين في الآن ذاته بأنها 

 

أكبر مساهم في تلوث الوسط الطبيعي.

إذن ترامب يرى في الصين كبش فداء لإخفاقاته في هذه المجالات.

 

الأمين العام للأمم المتحدة حذر من حرب باردة جديدة ما يجعلنا نتخيل مواجهة بين الولايات المتحدة والصين على غرار تلك التي حدثت على مدار عقود بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي ولكن هناك فرق أساسي بين الإتحاد السوفيتي السابق والصين يجعل هذه المقارنة بدائية وغير دقيقة لأن الصين وخلافا للإتحاد السوفيتي لا تسعى لتصدير أيديولوجيا معينة ثم إن بيكين فاعل اقتصادي قوي على المستوى العالمي مما يجعلها حريصة على استقرار عالمي يسمح لاقتصادها بالاستمرار في تدفق صادراته حول العالم وعندما يقول الرئيس الصيني إنه علينا أن نحول دون حدوث صدام بين الحضارات فهو يعني بذلك الحفاظ على البنية الحالية للتعاون الاقتصادي  العالمي. 

في نفس الوقت فإن شي جيبينغ لا يقبل الإنتقادات الدولية المتعلقة بالسياسة الداخلية الصينية مثل قانون الأمن في هونغ كونغ الذي يخالف الإتفاق الدولي بين الصين والممكلة المتحدة  لإعادة المستعمرة البريطانية السابقة إلى الصين والقمع الذي تعرض له المسلمون في شيجيانغ.

إذن هو "سيادي" فيما يتعلق بالسياسة و"عولمي" تعددي فيما يتعلق بالقضايا الإقتصادية.

لكن تلك التعددية أيضا ليست مطلقة بل تحكمها ضوابط يرى الصينيون أنها موضوعية. 

فحين نتحدث عن تقنية الجيل الخامس من الموبايل مثلا أو لقاح كوفيد-19 وهما موضع خلاف وتنافس كبير بين الدولتين العظيمتين نجد أن الحرب الباردة قد بدأت بالفعل بشأنهما.

فكلاهما تعتبر أن اللقاح ضد كوفيد-19 بمثابة أحد أصول القوة الجيوسياسية حاليا تماما كما كانت نظرة الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق  إلى الأسلحة النووية إبان الحرب الباردة.

وهكذا لم تقبل أي منهما الإنضمام إلى التحالف الدولي للقاحات كوفيد-19 الذي دعت إليه منظمة الصحة العالمية بهدف توفير اللقاحات بشكل واسع ودون تمييز لأكبر عدد ممكن من الناس لأن كلا منهما تعتقد أن لديها الوسائل التكنولوجية التي تؤهلها لأن تسبق الآخرين في هذا المجال وأن إنتاج لقاح فعال يشكل إحدى وسائل القوة المهمة.

وتعتقد الصين بشكل خاص أنه بإمكانها استخدام  "الدبلوماسية الصحية" كوسيلة من وسائل القوة الناعمة (Soft Power) خاصة في القارة الأفريقية ولم يكن صدفة أن الصين دعمت كثيرا إيجاد إدارة أفريقية لمنظمة الصحة العالمية مسايرة لتوجهات الحكومة الصينية لأنها تعتبر ذلك جسرا لتنفيذ سياسة القوة الناعمة في القارة السمراء حيث توجد مصالح اقتصادية صينية كبيرة

خميس, 24/09/2020 - 01:16