متى يحين أوان الإقلاع؟

في شبه منطقة ترزح دولها تحت مشاكل جمة وأزمات وتحديات لاحدود لها ، لايبدو بلدنا الأحسن حالا ، ولا تبدو التحديات أمامه متناهية بل تتشعب باتجاهات مختلفة لتأخذ أشكالا هندسية عديدة ، مايجعل مواجهتها تحتاج صبرا وبُعدا في النظر وحلولا عقلانية بنكهة ثوريه.

إن حال البلد واستشراف مستقبله لايحتاج زرقاء اليمامة ، فمنذ فجر الاستقلال المزعوم أي قبل ستين عاما ، ونحن نتخبط في مقاربات وهمية وحلول لحظية واستيراتيجيات عقيمة لم تستند لعقل أو علم أو منطق ، وها نحن بعد ستة عقود نراوح مكاننا ، بل ننزاح أحيانا إلى الوراء.

اقتصادنا مدمر وهش ، والبنية التحتية شبه معدومة ، والقطاع الخدماتي في وضعية صعبة جدا ، ولحمتنا الاجتماعية تتفكك بفعل التجاذبات السياسية ، والاصطفافات والتدخلات الأجنبية التي تصب زيتها على نار تناقضاتنا وتخلفنا ، وولاءاتنا المتعددة مع الأسف.

الأنظمة التي تعاقبت على سدة الحكم ارتكبت أخطاء فادحة في مجملها ، ولم تول بناء الإنسان ونمط الحكم الإهتمام الكافي ، بل انشغلت في الغالب بترسيخ حكمها وتشديد قبضتها على القطيع ترغيبا وترهيبا ، وانشغلت بالبعد الأمني الداخلي ، وانزاحت عن مسار التنمية وانشغالات المواطن وتطلعاته الحقيقية الملحة والمشروعه.

كل الويلات في هذا البلد يتم تحميل مسؤوليتها للعسكر لكن هل نحن محقون في ذلك؟

إن أول انقلاب حصل في موريتانيا في العاشر يوليو 1978 كان بسبب تداعيات حرب الصحراء العبثية ، وما نجم عنها من ويلات هددت كيان الدولة الوليدة وجعلت وجودها في مهب الرياح.

زد على ذلك أن المرحوم الراحل المختار ولد داداه رغم مكانته الكبيرة وحنكته ودهائه كرس حكم الحزب الواحد ، ولم يؤسس للتداول السلمي على السلطة على غرار جارتنا الجنوبية السنغال.

لذا حين جاء قادة الانقلاب بعد أن ضاقوا ذرعا بحرب زجوا فيها بلا سلاح أو موارد ، سرعان ما دخلوا في المكائد والمؤامرات التي وصلت أحيانا حد الإغتيالات الصامتة والإنقلابات الصريحة.

 

إن المؤسسة العسكرية على علات حكمها وقفت في وجه تحديات عديدة ، أمنية في أغلبها ووجودية أحيانا ، لكن النخبة المثقفة استقالت من مسؤولياتها واكتفت بالتفرج وجمع الفتات والتهافت على المناصب.

لقد فوتنا فرصا تنموية عديدة وفاتنا أكثر من قطار ، ودخلنا في حروب جانبية لا طائل من ورائها أرهقتنا وضاع الزمن.

إن التنمية لاتميز بين بزة العسكري وبذلة المدني أو كلتيهما لكنها تحتاج الإرادة والطموح والوعي وجرعة زائدة من الوطنيه.

كثيرا مايقال إن البلد على مفترق طرق ، إنها سمة تلازمه منذ النشأة ، لكنه يراوح مكانه في هذا المفترق ، شابت الولدان ودالت الدول والصروف والظروف ، وتبدلت أحوال الأمم ونحن مازلنا عند المفترق.

إننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بهبة صادقة حكاما ومسؤولين ونخبا ومثقفين لعقد ميثاق شرف ، وتجديد العهد للوطن الذي آمن به أجدادنا وسلموه لنا أمانة غالية ، مطالبون بالصدق وترك التطبيل ، والتفاني في خدمة الوطن وبث روح جديدة نتسامى بها على سلبيات وترسبات الماضي التي أرهقت كواهلنا وأخرتنا عن ركب الأمم ، فمتى يحين أوان الإقلاع؟

 

                                        محمد محمود إسلم عبد الله

اثنين, 09/11/2020 - 14:06