هل صفة "الأدخن" إيجابية أم سلبية؟

شاع مؤخرا إطلاق لفظ "الدخن" على الموريتانيين في سياق النقد، وأصبح من المألوف أن تصف الموريتاني الذي لا يعجبك سلوكه الحضاري بالأدخن، واللافت أن هذا اللفظ قديم في ثقافتنا الموريتانية، وقد استعمل كثيرا، لكنه لم يكن يحمل معنى قدحيا، بل كان يستعمل في سياق مقبول غير عالق بأي شحنة سلبية. فعلى سبيل المثال تطلق تسمية "الدخن" على بعض بطون من أولاد أحمد بن دمان (أهل أحمد بن سيدي وأهل الخاليل وأهل المختار الكوري)، ويشتهرون بالشجاعة والمنعة والأخلاق. وقد ذكرهم المطرب الأديب البُو بن مانو في تهيدينة غسرم التي قيلت في أمير الترارزة أعمر بن المختار (توفي عن تسعين سنة في جمادى الأولى سنة 1244هـ أي يناير 1829م)، حين قال في تلك التهيدينة الجميلة:
وُحَمَالين اجماعت اتْشوعيرْ ۞ الدخن امنَيْن يخل اتْصَرْميك
خالفتهم ذًيك تنتَاگهَ اعسيرْ ۞ الله لاَ يَطْلَگ فُجْهَا اعليك
وسبب تسمتيهم الدخن أنهم كانوا -كما يقول المؤرخ أحمد سالم بن باگا في تاريخه- ذات سنة ينتجعون المراعي في النواحي الشمالية من البلاد، فلما أجدبت البلاد عادوا إلى الگلبة فوصلوها مغبرة ألوانهم وثيابهم وأمتعتهم لتعاقب السوافي عليهم، فلقبوا "الدخن". 
وتعرف أسر من الحراطين في الترارزة بحراطين الدخن، وفيهم سيادة وفضل ونجدة وكرم، وهم: أهل ميلود، وأهل التومي، وأهل محمد كمبه، وأهل الحريطيني، وأهل محمد العبد، وأهل إميجن، وأهل اهميمد. وكان وزير أمراء الترارزة أعمر بن ميلود (توفي 1942م) رئيس حراطين الدخن من أبرز شخصيات الترارزة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان جميل المحيا ذكيا واسع العلاقات كثيرا ما ذهب في سفارات بين إمارة الترارزة وغيرها، وقلما ذهب في سفارة إلا ونجح في المهمة الموكلة إليه.
ومن أبرز بيوت أولاد امبارك في الحوض أهل دخنان بن امحمد ازنَاگي وهم من أولاد بنت القصاص، وفيهم نجدة وإباء.
والدخن فرع من قبيلة الگرع منهم أهل هيبة وأهل الحيمر، وفيهم شخصيات بارزة ورجال كرام.
وكان مقتل ابن أعمر الأدخن العجيلي الجعفري سنة 1741م من طرف الشيخ بن فندك الماسني ومحمد بن اعلي بن منصور البوفايدي سببا في صراع دام طويلا بمدينة تيشيت.
وكان محمد يگوي بن محمد الادخن بن احمد ميلود الفاضلي الديماني (توفي 1886م) من كبار شعراء القرن الثالث عشر الهجري في منطقة الترارزة.
واستملح الشاعر محمد بن سيدي أحمد (ديدي) الفاضلي الديماني أو الشاعر عطاء الله بن نور الدين التندغي الذي ينسب إليه البيتان، "دَخَنَ" المغزل عليها في قوله (غني بالبيتين الداه ولد انگذي في سيني كر):
لئن تصبحي يا مَيُّ عريانةً دخنا ۞ عليك طريف أغبرُ اللون ما يهنا
ففيك عن الغيدات معنًى مشاهد ۞ وهل يستطيع الصبر من شاهد المعنى
وقريب منه ما ينسب للأديب امحمد ولد هدار، وتنسب لأحمدُّ بمب بن الأمين الديماني:
ﻛﺎﻟﺤﻤﺪ اﻝِّ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺒﺴﺖِ ۞ ﺩﺧّﺎﻥَ ﻳﺎﻟﺮﻳﻢ ﻭﻋﺖِّ
ﻛﻴﻒ ﺍﻟﺨﺒﺎﻁَ ﻭﺍﻇﺤﻜﺖ ۞ ﻗﺼﺪﻙ ﻟﺬﺍﻙ ﺍﻧﻤﻮﺕ ﺁﻥ
ﻏﻴﺮ ﺍﺹ ﮔﺎﻉ ﺍﺷﻌﺪﻟﺖِ ۞ ﺑﺎﻟﻠﺒﺲَ ﺫﻱ ﻭﺍﻟﺪﺧﺎﻥَ
ﺫل عدلت ﻋﻨﻚ ﻓُﺠﻞَ ۞ ﻭﺍﻛﺘﻠﺖ ﺑﻴﻪ ﻋﺠﻼﻥ
ﻭﺭﺍﻓﺪﺕ ﺭﻭﺡ ﺍدخلت ﺍﻋﻞ ۞ ﻣﻼﻥ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻼن
والدَيْخِن بئر قديمة تقع شرقي أنْبَنْبَات وشمال غربي المناروتبعد حوالى 60 كلم شمال غربي المذَّرَذْرَه وبها مقبرة شهيرة من مقابر منطقة إگيدي. وفيها يقول محَمّدْ فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل الديماني (توفي يوم السبت يوم عرفة 1334 الموافق 7 أكتوبر 1916م): 
وابك دورا لدى الأديخن أقوت ۞ وبربع لدى الأديخن عاف 
والخلاصة أن هذا اللفظ الذي تطورت دلالته لتصبح قدحية، كان حاضرا في ثقافتنا وتسمياتها، ولم يكن بتلك الدرجة من السلبية.

 

أربعاء, 16/10/2019 - 10:50