دليل الوزير الجديد / حبيب ولد محفوظ (1/2)

إنَ "الدُكّان" (البُوتيك) ، كما قلنا في حلقة ماضية، قد أفرز ما يمكنُ أن يسمى ثقافية "دُكانية" أصبحت في انتشار مُتزايد، فلم يعد الدكان محلاً للبيع والشراء فحسب بل أصبح أيضاً مركزاً لحياة اجتماعية وثقافية وحتى سياسية عند الموريتانيين*، فكلمة العرّاف -من العرف أي التبادل- التي كانت مستعملة تم استبدالها بكلمة صاحب الدكان (مول البوتيك) ومن ثم أصبحت تستعمل  مكانها في بعض الأحيان كلمة تاجر، ولا يحبذ استعمال هذه الكلمة لكونها تقترن في الأذهان بكلمة فاجر.

 

وعندما ينشئ الدكان محله وتزدهر الأمور (مجازاً) أي لمجرد أن يحصل مثلاً على 2 كيلو من الحبال، نصف كأس من الشاي، وكيس من البسكويت، يتخذ مساعداً له، هذا المساعد يدعى "وكاف" لأنه في أغلب الأحيان واقف. وبالإضافة إلى دوره في مساعدة الدكاني فإنه  يقوم  كذلك بمهمة حساسة وهي أن يتمنع عن إعطاء "الدين" أو التسلف للجيران أو الأقارب الفقراء، خصوصا وأن الدكاني الرئيسي ليس من اللائق به أن يرفض إعطاء الدّين لهم، ولتلافي إعطاء الدين يكتب صاحب الدكان عبارات من هذا القبيل على الجدران ويقوم المساعد بلفت انظار الناس إليها، كلما دعت الضرورة ويحلف كذلك بأيمان مثل: بحقّ سُرّتك وبحقُ سُرتي عن سُرتك، صدقني هذا ليس ضدك أنت وإنما هوّ شيء شامل على الجميع، ونحن الأن عندنا عملية الجرد و الحساب، ألخ.. كل هذه الأعذار تبرر اكتتاب مساعد يكون محل سخط وتهجم الزبناء، الذين ينشرون في كل مكان بأن صاحب الدكان ليس على اطلاع بالممارسات اللا إنسانية لمساعده.

 

وبقيت هذه العقلية الدكانية مرافقة للموريتانيين الذين لا يحملون أبداً المسؤولية  للمسؤول الأول في البلد، وكانوا يرون أن "الأعوان" دائماً هم الأشرار، وأن المسؤولَ الأول ليس هو المسؤول لأنّه "ليس على علم بكل ما يحدث حتى لو كان على علم بكل هذا" وأن الرئيس دائماً طيب وأخلاقي وانساني، بينما المساعد دائماً شرير وخشبي ومصاص دائماً لدماء الفقراء.

 

بعد ملفنا عن الوزراء في الحلقات السابقة ننشر هذا الأسبوع كتاب "دليل الوزير الجديد" للمساعدة عند الحاجة. فكما تعلمون كل الموريتانيين الأصحاء (وحتى الأخرين) يمكن أن يصبحوا وزراء.. وبالتالي نقدم فيما يلي بعض المبادئ الأساسية لكي تصبح وزيراً في خمسة أيام بدون معلم.

 

أولى النصائح لأول مجلس  وزراء تحضره هو أن تكون حذراً، وهذا هو المهم، ويقولون أن أهم لحظات تمرُ على الإنسان في عمره هي خمسة: ميلاده وختانه، شهادة الباكلوريا، وزواجه، وأول مجلس وزراء يحضره، وأما لحظة موته فهيّ مهمة إلّا أنه للأسف لا يحضرها. أما في مجلس الوزراء فمن المهم الإعتناء بالهندام، فليس من اللائق أن ترتدي قميصاً يحملُ رسوماً للزهور أو مخططاً كما يفعل عملاء المافيا أو ترتدي بدلة على خطوط متقاطعة كما يفعل عتاة المجرمين في الغرب الأمريكي. إحذر من الأحذية العالية أو العريضة بل الأحسن أحذية رمادية لأنها توحي بالجدية. حافظ على ربطة عنق واربطها بعناية. ولكن لديك جوارب جديدة لأنها إذا كانت وسخة فإن رائحتها ستزعج الرئيس، وسوفَ يطرد مباشرة صاحبها، اصحب كذلك معك منديلاً فالوزير الجديد يتصبب منه الكثير من العرق خاصةً في أول مجلس وزراء يحضره.

 

الأحذية يجب أن تكون أكبر قليلاً من القدم لأن الرجل تتورم عندما يبدأ وزير الداخلية بيانه عن الوضع في الداخل، كذلك لا تنسى الوسادة فهي ضرورية أثناء خطاب وزير التخطيط، أما بخصوص الشعر فعليك أن تمر بالحلاق قبل كل مجلس وزراء، فعند الرئيس أنه كلما رآى شخصا "منتفش" الشعر يعينه مباشرة كاتباً لمحو الأمية (كخطري ولد الطالب جدو والرشيد ولد صالح) وعندما يصلح هذا الشخص شعره فإنه يحول إلى منصب أخر. حافظ على أن لا تكون مثل ولد اياهي الملتحي أو "مودي كامرا" الأمرد، ليكن لك شارب متوسط، واحذر من "التحليقات" الغريبة من أمثال "زولو" واحذر أن تحكَ رأسك في مجلس الوزراء. 

 

أما طريقة المشي فإنها تبدأ من الوزارة، امشي بهدوء، عرج على رجلك اليسرى، طأطئ رأسكَ حتى لا ترى البسمات الساخرة للسكرتيرات، وحتى لا تتعثرَ في أسلاك الهاتف والأجهزة الألكترونية، فالناس لا يغفرونَ لوزير يسقط في يومه الأول، فالوقت مبكر على السقوط وأمامك كل الوقتك لستقط كما تشاء، على الأقل في يومك الأول، انظر حيثُ تقودك رجلاك. أول شيء تفعله: نادي على الفَراش مباشرةً  وقل له أن يعمل لك شاياً وأضف "لم أشربه منذ الأمس، هذه الحكومة تريد أن تقتلني" سيسعد ذلك الفراش ويحكيه على رؤساء المصالح وسيقولون "لا بأس إنه ذكي ويشربُ الشاي".

 

عندما تدخل المكتب لأول مرة لا تذهب للجلوس مباشرة على المقعد، قم أولاً بجولة في المكتب، افتح بابا أو اثنين أو اغلقهما أو أدراجا. اطلب علبة ثقاب أو قلم، قل شيئاً يتذكره الجميع فيم بعد من قبيل: "أيها الأصدقاء أنا هنا ليوم أو يومين، أو ربما عشر سنوات، لا يهم، ما أريد أن تعرفوه هو أنني سأبقى هنا ما دمت هنا، موافقون!!". قد لا يكونَ هذا يعني شيئاً إلا أنه على الأقل يولد الانطباع بأنه يعنيه. 

 

عندما تريد التوجه إلى أول مجلس للوزراء حاول أن لا تبدو مغلاً (كما هي الحال) نادي على السائق واسأله إن كان جاهزاً، وليكن في بالك أن السائق يعرف أكثر منك مجلس الوزراء وعن مقر انعقاده، لا تجلس في المقعد الخلفي بل إلى جانب السائق، اطرح عليه أسئلة صغيرة من قبيل: متى ينتهي هذا الشيء، هل يقدمون مأكولات أو مشروبات؟ هذه منذ كم هي عندك؟ أين تسكن؟ وهكذا تصل بدون أن تشعر إلى مجلس الوزراء.

 

حاذر أن تصافح الوزراء، لأن القدماء منهم سوف يضحكونَ منك، هز رأسك من حين لأخر عبر عن ملاحظات لجارك من قبيل: "هذا البرد غير طبيعي، ربما بسبب العواصف العنيفة في الولايات المتحدة"، وكلما حياك أحدهم أو خاطبك قل له: "أه..أه..نحن سنرى" عليك أن تبدو وكأنك لا تهتم بما يجري، وما يمكن أن يحدث فذلك هو من صنع الوزراء الكبار، لا تطرح أسئلة، فهناك سابقة يجب أن تعرفها فأبوبكر ولد أحمد كان وزير الثقافة والتوجيه الإسلامي سنة 1992 وتم طرده لأنه كان يطرح الكثير من الأسئلة في مجلس الوزراء، وكان تعليقه المفضل "هذا ليس واضحاً" عليك أن تحذر من ذلك وأن تُولد الإنطباع بأنك ترى كل شيء، واضح وشفاف وحتى عبقري، وحتى وإن كان -كما هو الحال دائماً- غامضاً جداً، غامضا، إلّا أنه لا يعنيك.

 

يتواصل..

 

المصدر: حبيب ولد محفوظ، موريتانيد، دليل الوزير الجديد، ت: عبد الرحمن ولد عبد الله. جريدة القلم، العدد 248، بتاريخ 25 يناير 2004.

جمعة, 15/01/2021 - 20:14