دليل الوزير الجديد / حبيب ولد محفوظ (2/2)

أثناء المجلس يمكن أن تطرح بعض المشاكل التالية: 

 

هل ينبغي كتابة ما يقوله رئيس الجمهورية لنظرائك؟*

 

الجواب: اختياري.. يمكن أن تشاهد التلفزيون لتعرف أهم ما دار في المجلس: سجادة خضراء، وجوه واجمة، وصمت كموكب دفن. ارفق معك دفتر صغير واكتب عليه من حين لأخر أي شيء، جملاً أو كلمات، فذلك يولد انطباعاً جيداً لدى الرئيس، اكتب تعليقات على هوامش التقارير التي أمامك.

 

هل ينبغي إجراء مداخلة في مجلس الوزراء؟*

 

الجواب: لا، خصوصاً أنه ليس عندك ما تقوله، إلّا إذا كنت تريد أن تحكي عليهم أخبار سهرتك.

 

هل يمكن أن نطلب حاجة أثناء انعقاد مجلس الوزراء؟*

 

الجوب: في المرة الأولى من الأفضل لا، فأنت لم تعرف بعد أين تقع دورة المياه، كما أنه لا يحق لوزير التبول بجانب سيارته قبل مضي ثلاثة أيام من تعيينه.

 

هل يمكن أن يفوتنا مجلس الوزراء؟*

 

الجواب: أن مجلس الوزراء شأنه شأن الإمتحان الكتابي يعاقب بـ "صفر" كل غياب بدون مبرر، والمبرر الوحيد هو مهمة خارج انواكشوط، أو تأتي بالوكيل: رئيس القبيلة، الوكيل السياسي ليبرر للرئيس، لا تبكي إذا ما تم طردك.

 

وإليكم بعض النصائح الأخرى:

 

- لا تجري أي مقابلة صحفية في الخارج أو الداخل فتلك ممارسة خطيرة على صحة الوزير (أليس كذلك يا حسني؟) .

- عليك أن تبدو وكأنك منشرحا، لأن الذين يظهرون بمظهر الحزن محسوبون على أنهم ضد "النظام" وأنهم حاقدون، وأنهم متآمرون.

- زد وزنك بعدة كيلوغرامات، وستكون بذلك مدعاة للثقة أكثر

- عليك أن تحضر كل زيارات الرئيس في الداخل، اجعل الجميع يراك ويسمعك، ولا تنسى من عينك وزيراً، تظاهر ولكن لا تفرط  في التظاهر، ودع الطليعة القيادة للرئيس.

 

لنكن متفائلين في هذا البلد البائس كل شيء ممكن الحدوث، رغم ذلك يبقى دائماً هناك مجال للتفاؤل، فعندما أرى الشمس تشرق وتغرب كل يوم وبانتظام أقول في قرارة نفسي أن الوضع ليس ميئوسا منه بالدرجة التي نتصورها، وأن هناك كائن ما في هذا البلد ما زال يقوم بعمله على أكمل وجه، وأن معاوية لن يعين أحد موظفيه مكان الكوكب الذي يقوم بمهمته الموكلة إليه بإتقان.

 

لكن يمكننا أن نُروّع أنفسنا قليلاً، ونتصور ذلك اليوم الذي يقرر فيه الرئيس مكافأة أحد أطر الحزب الجمهوري بتعيينه في منصب الشمس، في اليوم الأول كل شيء سيبدو طبيعياً، سيقوم الموظف الجديد في السابعة تماماً كما كانت الشمس تفعل وتغرب، وسيغربُ في السابعة مساء، في اليوم الثاني سيطلع الموظف في السابعة وخمس دقائق، أي مباشرة بعد استيقاظه وغسله لوجهه، وبالكاد يتفطن إلى أنه لم يأخذ الوقت للسواك قبل أن يذهب لمكتبه في الهواء الطلق، في اليوم الثالث لم يكن هناك شروق، لا في السابعة ولا في الثامنة وانما في العاشرة تماماً، والسببّ أن "خلفَ" الشمس الجديد كان في رحلة إلى البادية لتفقد قطعان إبله، ورغم أن عنده سيارة عابرة للصحراء، إلا أنها انغرزت في الرمال، ولم تكن هناك شمس بالنيابة.

 

في هذا اليوم لم تكن هناك مشكلة في الشروق إنما في الغروب، إذ أنَ الموظف -الشمس المعين حديثاً- لم يغرب في السابعة مساء ولا في الثامنة، إنما في منتصف الليل، فقد كان مشرقاً ليس لكونه يعتقد أنه في القطب الشمالي، بل لأنه مازال يلعب الورق مع بعض زملائه، وليس مستعجلاً الالتحاق بالمخدع الأسري، لأن ربة البيت الشمسي لم تعد تأبه بما إذا كان الموظف الجمهوري اللامع (جداً) يتأخر عن البيت أم لا، هذه السهرة الليلية جعلت الشمس لا تشرق في الغد إلا في منتصف النهار، وأدى ذلك إلى فوضى كبيرة في البلد، وطرحت الصحافة في عناوينها البارزة مشكلة فلسفية عويصة وهي: هل الوجبة التي نتناول عند طلوع الشمس في منتصف النهار فطور أم غداء؟ وفي عمودها "نقاط على الحروف" نشرت جريدة البيان مقالاً عنيفاً يطالبُ باستقالة هذه الشمس المهملة والتي لم تهتم بهندامها والممتلئ وجهها دماملاً وقروحا، والتي لا تحلق ذقنها إلا مرة واحدة في الأسبوع. 

 في يوم الأربعاء لم تشرق الشمس لسبب بسيط هو أنها ذهبت لاجتماع مجلس الوزراء، وفي القاعة التي ينعقد فيها المجلس، احتاجوا لتركيب أربعين مكيف هواء لتلطيف الجو الساخن جداً، واشتروا نظارات شمسية لكل الوزراء ما عدى الموظف الشمس، وفي يوم الجمعة لم تشرق الشمس، لأنه يوم عطلة لراحة الموظفين.

باختصار، باختصار، لم تكن الشمس الجديدة على مقدار الطموحات المعلقة عليها، بل خيبت الكثير من تلك الآمال، فنصف السكان مات بسبب ضربة الشمس، ونصف النصف الباقي، بسبب نقص الوسائل، ونصف ذلك النصف الباقي بسبب حروق من الدرجة الثالثة، ونضجت جلود ذلك النصف من النصف الأخر، وأكله الباقون الذين ماتوا بدورهم بسبب التسمم الغذائي.

كانت تلك نهاية موريتانيا وتم إعلانها مزبلة دولية بقرار  من الأمم المتحدة تم اتخاذه باجماع الدول ما عدى الأثيوبيين الذين امتنعوا عن التصويت لأن مفهوم "مزبلة، قمامة، نفايات" غير موجودة في اللغة الأمهرية. 

 

وأخيراً وبما أننا لم نصل إلى هذه الدرجة، وإن كنا قريبين منها، فستبقى عندنا دائماً أسباب تجعلنا متفائلين، فالشمس مازالت تشرق وتغرب كل يوم، ومالذي نطالب به  أكثر من ذلك؟ وهل يمكننا أن نطلب أكثر؟

 

حبيب ولد محفوظ، موريتانيد، دليل الوزير الجديد، ت: عبد الرحمن ولد عبد الله. جريدة القلم، العدد 248، بتاريخ 25 يناير 2004.

سبت, 23/01/2021 - 01:05