لا تقتلوا الأمل!

ضج الرأي العام برفض  سلسلة من التعيينات في الوزارات والإدارات نظرا لما عرف في أصحابها من تفاهة وعدم أهلية أو سلوك يشي بعدم الاستقامة في التسيير.

وقد  كنا نتوقع أن تتوقف تلك التعيينات، ويحس القائمون على الشأن بأن الرأي العام أضحى شاهدا يراقب الوضع ويتفرس التصرفات. 
حاولت شخصيا ألا أخوض في تلك التعيينات إلا لماما ، فقد كنت ألوذ بالمعاذير من صعوبة الوضعية وتعقيدات الحكم ، فالقادم لكرسي القيادة  مهما كان قربه من السلطة ومعرفته ببعض جوانبها يظل انتقاله لموقع القرار الأول أمرًا جللا مهولا له دهشه ، وقد تُفلت منه انتباهة لبعض الأسماء وسير أصحابها غير الحميدة.

 إلا أن التعيينات الأخيرة في السلك الدبلوماسي كانت صادمة وفرضت التحدث بلغة واضحة لا شية فيها، فقد أبقت على بعض ممن لا يمكن السكوت عليه ، وزادت الطين بلة بتعيين من اشتهروا  بالإسفاف الدعائي  والأوراق السياسية المحترقة ...

 لقد عولت مع غيري على الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني  وعلى خصال تمتع بها من أجل تغيير الأحوال المتردية لبلد يئن تحت جوائح من الحيف والتخلف سبقت كوفيد 19 وسوف تعقبه.

ولا شك في أن الأمل هو الطاقة الدافعة نحو الصعود الدافع للكدح والبناء. وعند تلاشيه تضيع فرص ثمينة ويخسر الوطن ما كان في أمس الحاجة إليه.
فمن العجب العجاب أن الرئيس الذي يتميز بتجربة ثرية ، وقد شهد له الجميع بحسن الخلق وأذكر منهم ما حدثني به الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى من أنه لا يعرف بعد والده الشيخ عبد الله من هو أحسن خلقا في التعامل من محمد ولد الشيخ الغزواني ...

من المستغرب تعيينه لبعض الوجوه التي لا تمثله ولا تتقاطع مع خصال الخير التي رغَّبت الناس فيه وجعلتهم يعولون على شخصه، كما أن تلك الأسماء لا تحوز من القيم الفاضلة من أمانة وصدق وخوف من الله ما يدفعها للإنجاز ويحجبها عن خيانة الأمانة ...الخ

عول أهل الجد والإشفاق على الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لأنه من بين الخيارات المتاحة في دائرته كان الأفضل، كما عولوا على العوامل التي تدفعه إلى الخير وتمنعه من سفاسف الأمور ، فيفترض في من يحوز تجربته ومعرفته بصيرورة الفرص ودواوين المؤرخين، انه معني بما يسجل عنه في التاريخ ويلقاه كتابا منشورا تشهد عليه الألسن والجلود يوم يختم على الأفواه.

يتحمل السيد الرئيس كامل المسؤولية عن حجم التوقعات ، لأنه في خطاب الترشح الأول أكد للجميع ما توقعوا في شخصه، وعزف على الوتر الذي أنتج اللحن الذي طربوا له ، معلنا في خطاب مباشر عن " ما من الله به عليه من تربية"  ثم كان عنوان برنامجه (تعهداتي ) وللعهد عنده معنى ...

إلى هنا نحن أمام رئيس عول عليه غالبية من كانوا في صراع من أجل الإصلاح والتغيير، وأعطوه الفرصة وتحملوا تجريح العامة وبعض الخاصة، كي لا تضييع الفرصة على البلد، مقرين بأن التغيير صعب مسالكه، ولا يمكن أن يحصل بين عشية وضحاها، إلا أن الحبل ظل على الجرار وتم الاستمرار في تعيينات لا يتميز أصحابها بغير التفاهة والاضمحلال في الكفاءة الإدارية والخلقية.

ما يدفع البعض إلى الاستغراب حقا هو حظوة ذلك النفر من الوجوه المنفرة المستهلكة التي لا تعرف للتقاعد سبيلا،
 فإذا كان أطر المعارضة مخلوقات توارثت الأنظمة بغضها والتفكير من دونها !

 فإن في الأغلبية من أصحاب التميز الخلقي والمعرفي ما يمكن أن يستعين بهم السيد الرئيس في الداخل والخارج وقد عين بعضهم وبه رحب الناس واستحسنوا ...
الآن وقبل أن يضيع الوقت ويتصرم الزمن ..
يرجو المشفقون على البلد الوجلون من تضييع الفرص أن ينتبه السيد الرئيس إلى أن نجاح الفترة التي يدير فيها الدولة ليس نجاحا له فقط بل هو نجاح للدولة الموريتانية التي ضاعت منها العقود المنصرمة ولا تحتمل تضييع المزيد من الفرص ..

وما زال بإمكان السيد الرئيس النهوض وشق الطريق وبعث الامل بشرط أن ينتفض من بين العقبات وشراك الدولة العميقة ونمط التفكير الذي تحاصر به كل من ابتلي بقيادتها ..
 
سيدي الرئيس إن إرهاصات الحوار الذي يُتحدث عنه فرصة حقيقية إذا أحسن استغلالها.

 ولن يكون ذلك إلا بجعله منطلقا لتوافق وطني حقيقي، يؤسس لبرنامج مشترك تتوحد الأمة في أهدافه الكبرى، الطامحة لدولة العدل والحرية والمساواة والتي لا يبغي فيها أحد على أحد ... 

ولعل التوافق على الأهداف والمنطلقات التي لا تختلف فيها البرامج إلا يسرا ، يُحتاج بعده إلى ورشات للخبراء من كل أهل موريتانيا الذين عليهم أن يحصروا المقدرات المادية والبشرية وما يتحصل عليه منها خلال السنوات المقبلة، ثم يفرزوا من التطلعات والحاجيات الملحة ما هو ضروري للنهوض وتبدل الحال ، ليصوغوا من كل ذلك خطة "مارشالية" تقدم إلى المتحاورين فيتفق عليها الجميع؛

 ويتكفل بتنفيذها الكل في حكومة من أهل الكفاءة والأمانة.
 حكومة يحميها الجميع ويوفر لها جو الإنجاز ويبعد عنها التجاذبات ويحمي ظهرها أوان التنفيذ ...
أدري بأن بعض الموالين يضيقون ذرعا بمثل تلك التوجهات ، لأنها تشرك غيرهم في المكاسب ، لكن تلك مشكلتهم وليست مشكلة الرئيس..
 الرئيس يكون في أفضل أحواله إن هو نال دعم الجميع وحماية الجميع واقترب من نبض الأمة تدعو له ويدعو لها ولا تلعنه أو يلعنها.

يحتاج الوضع إلى تفكير عميق وغير تقليدي، وبروح الحسم في اتجاه التطلعات المشروعة للمواطنين الذين يرغبون في تغيير جذري ، يمنح الأمل أقراصا من الفيتامين  عبر القرارات التاريخية، قبل أن يتدهور الامل فيحتاج لأجهزة التنفس ذات الندرة زمن كورونا ..

محمد غلام الحاج الشيخ

جمعة, 26/02/2021 - 17:57