لا تضيع قطعة الماس !؟

تذكر دائما بأنك لن تستطيع أن تبدع إلا في مجال موهبتك. صحيح أنك قد تنجح بالجد والمثابرة في مجالات لست موهوبا فيها، ولكنك لن تبدع في تلك المجالات، ولن تتميز فيها. إنك لن تبدع ولن تتميز عن بقية الناجحين إلا إذا استثمرت قدراتك وإمكانياتك في مجال موهبتك.

إن التنقيب عن الموهبة ليس بالمهمة السهلة، بل إنه صعب وشاق، فالموهبة  تشبه قطعة الماس التي قد تبدو في البداية وكأنها قطعة فحم بلا قيمة، ولكن قطعة الفحم هذه قد تتحول إلى قطعة ماس رائعة بعد أن يتم إخضاعها لكثير من القطع والصقل والتشكيل.
إن قطعة الماس الرائعة يمكن أن ندوسها بأقدامنا معتقدين بأنها مجرد قطعة فحم عادية.
إننا ندوس يوميا على الكثير من قطع الماس بأقدامنا، ولكي نتوقف عن هذا السلوك الغريب، دعونا نأخذ عبرة من قصة مزارع في جنوب إفريقيا.

إنها قصة مزارع كانت له مزرعة توفر له مع كل حصاد محصولا لا بأس به. قرر هذا المزارع أن يبيع مزرعته، وذلك بعد أن تقدم به العمر، وبعد أن سمع بقصص كثيرة عن فقراء تغير حالهم، وأصبحوا بين عشية وضحاها من الأثرياء، وذلك بسبب أنهم كانوا قد تفرغوا للتنقيب عن الماس وبيعه. لما سمع المزارع بتلك القصص باع حقله، وأخذ المال وذهب إلى الأمكنة التي كان ينقب فيها عن الماس في تلك الفترة، وبعد فترة من البحث غير الموفق، اضطر صاحبنا إلى أن يعود إلى قريته خائبا ومحبطا.

 الغريب في الأمر أن المزارع الذي اشترى الحقل وجد فيه قطعة ماس، ثم ثانية، فثالثة، وذلك من قبل أن يكتشف بأنه قد اشترى منجما من الماس بثمن بخس.
عندما علم المزارع العجوز بأنه كان يملك منجما من الماس في مزرعته، وبأنه باع ذلك المنجم بثمن بخس ليساعده في تكاليف رحلته للتنقيب عن ماس لن يعثر عليه، عندما علم بكل ذلك، لم يكن منه إلا أن انتحر.

لقد كان الماس قريبا جدا من المزارع العجوز، كان تحت قدميه، وكان يتمشى عليه يوميا، ولكن مشكلة هذا المزارع العجوز هي أنه بحث عن الماس بعيدا وبعيدا جدا، ولم ببحث عنه في مكان قريب، أي داخل مزرعته.
شيءٌ كهذا قد يحدث مع بعض المنقبين عن الذهب في بلادنا، حتى وإن كان بدرجة أقل وضوحا. وشيءٌ كهذا يحدث دائما مع الكثير من الموهوبين الذين يبحثون عن ماس بعيد، وعن نجاح في مجال بعيد من مواهبهم. إن النجاح قريب جدا منا، وإن المجال الذي يمكننا أن نبدع فيه (الموهبة) أكثر قربا مما نتخيل، إنه بداخلنا، وما علينا إلا أن نبحث عنه بدلا من الذهاب بعيدا كما حدث مع المزارع العجوز.
إننا في هذا الزمن لم نعد نخصص وقتا للخلوة مع أنفسنا، ولا نخصص وقتا للبحث عن الموهبة المودعة بداخلنا (الماسة)، ولكننا بدلا من ذلك نقضي أوقاتا طويلة من أعمارنا للبحث عن ماس بعيد قد لا نجده إطلاقا، فمشكلتنا في هذا العصر هي أننا أصبحنا نعرف شيئا كثيرا عن العالم من حولنا، ولكننا لا نعرف إلا القليل، بل والقليل جدا، عن أنفسنا.

الخطوة الثالثة: هوايتك قد تقودك لاكتشاف موهبتك     

كثيرا ما تختلط  الموهبة مع الهواية عند غالبية الناس، ويمكن لنا التفريق بين الموهبة والهواية على النحو التالي: الموهبة هي عطاء يولد مع الإنسان، أما الهواية فهي من الهوى، أي الميل إلى شيء معين، وهي مكتسبة، فلكي تكون شاعرا فلا بد لك من موهبة في الشعر، ولا يكفي لقول الشعر أن تكون من هواته. إن الخلط بين الموهبة والهواية قد يقع بسبب ارتباط الموهبة بالهواية عند الكثير من الناس، ولذلك فإن تحديد هواياتنا وتتبعها قد يساعدنا كثيرا في اكتشاف مواهبنا.

ومن قبل الانتقال إلى الخطوة الرابعة، فإنه على كل واحد منا أن يعلم بأنه هو الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يمكنه أن ينزع اللثام عن موهبته، وهذا لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ بأنه لا أحد يمكنه أن يساعدنا في إماطة اللثام عن مواهبنا، فالأسرة يمكنها أن تُساعد في اكتشاف الموهبة، والمدرسة قد تُساعد، والمجتمع قد يُساعد، والمناخ  الثقافي العام في البلد قد يُساعد، ولكن المؤسف أن كل هذه العناصر التي تم تعدادها، والتي قد تساعدنا في اكتشاف مواهبنا، قد تتحول في كثير من الأحيان، وخاصة في البلدان المتخلفة، إلى "عصابة من الأشرار" لقتل المواهب في وقت مبكر.

تقول بعض الدراسات بأن 90% من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات هم من المبدعين، وأن 2% من هؤلاء هم الذين يبلغون سن الخامسة والأربعين دون أن يخرجوا من خانة المبدعين. فمن ذا الذي قتل روح الإبداع في نفوس هذه النسبة الهامة من المجتمع؟ إنها "عصابة الأشرار" نفسها، ويمكن أن نضيف لهذه العصابة الضحية نفسه، فالمبدع قد يشارك هذه العصابة، وقد يعينها ـ بطريقة أو بأخرى ـ في خنق وقتل الإبداع لديه. يقول عالم الكيمياء  المصري "أحمد زويل"، الحاصل على جائزة نوبل، ما مضمونه: إن الغرب ليسوا عباقرة والعرب ليسوا أغبياء، وإنما  الفرق بين العرب والغرب هو أنهم في الغرب يدعمون الفاشل حتى ينجح، وأما العرب فإنهم يحاربون الناجح حتى يفشل!!

الخطوة الرابعة: الوقت لم يتأخر

تذكر دائما بأن الوقت لم يتأخر على اكتشاف موهبتك، وإذا كان من المهم جدا أن ننقب عن الموهبة في مرحلة مبكرة من أعمارنا، إلا أن ذلك لا يعني بأنه ليس من واجبنا أن نبحث عنها في مراحل متأخرة من العمر، إذا ما  كنا قد ضيعنا الفرصة للبحث عنها في مرحلة مبكرة من أعمارنا.

إن الشاعر النابغة الذبياني، والذي يعد من أشهر شعراء الجاهلية، لم يكتشف موهبته إلا بعد أن أصبح في سن الأربعين، وربما يكون هذا الشاعر قد ضيع عقودا من عمره  يبحث بعيدا في مجالات أخرى، كالفروسية مثلا، بدلا من البحث عن موهبة الشعر المودعة لديه، ولكن وعلى الرغم من تأخر هذا الشاعر في اكتشاف موهبته، إلا أنه ورغم ذلك فقد تمكن بفضل موهبته من أن يتربع على قمة النجاح، ويكفي أن نعلم بأن هذا الشاعر كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ، فيقصده الشعراء ويعرضون عليه  أشعارهم، وأن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان قد منحه مكانة خاصة لم يمنحها لشاعر من قبله.

لنأخذ مثالا آخر، ولكن هذه المرة من تراثنا المحلي.

تقول الرواية الشعبية بأن "ولد أنقكو" كان قد تقدم به العمر، وهو لا يزال يضرب به المثل في الجهل، ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد اشتهر هذا الرجل كثيرا، وذلك بعد أن بدأ يتعلم، وبعد أن بدأ في اكتشاف موهبته وفي استغلالها.

 إن اكتشاف الموهبة سيكون بلا فائدة، إذا لم يصاحبه جهد كبير في صقلها، وفي استغلالها على أحسن وجه، وعلينا أن نتذكر دائما بأن قطعة الماس تحتاج دائما إلى الكثير من الصقل والتشكيل والقطع، وإلا فإنها ستبقى دائما مجرد قطعة من الفحم.

إضاءة : هناك جواهر وماسات في أعماق البحار والمحيطات لو قُدِّرَ لها أن تخرج من ظلمات تلك البحار والمحيطات لخطفت الأبصار ولبهرت العقول.

عزيزي القارئ إذا شعرتَ بعد قراءة هذا المقال بأنك قد أصبحت أكثر اقتناعا بأن لديك موهبة ما، وبأن الوقت لم يتأخر على اكتشافها واستغلالها، فهذا يعني بأن المقال قد حقق الغاية من كتابته، وإذا لم يتولد لديك ذلك الشعور فهذا يعني بأنه لم تكن هناك أي أهمية لكتابة هذا المقال. رأيك في ذلك يهمني كثيرا.

عموما فإن هذا المقال الذي كان قد نُشر من قبل سيكون ـ بإذن الله ـ  بداية لسلسلة من المقالات المتخصصة في تنمية وتطوير الذات، وتدخل هذه السلسلة في إطار اهتمام شخصي بهذا المجال، وهذا الاهتمام  سيكون أكثر وضوحا خلال العام 2020 إن كان في العمر بقية، ولا شك أن ذلك سيؤثر سلبا على حجم المساحة التي كنتُ أخصصها للمقال السياسي.

 

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ صدق الله العظيم

 

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com

أربعاء, 30/10/2019 - 14:57