ضغوط "خليجية" وغربية وبدايات استجابة لها... هل تسير موريتانيا في طريق التطبيع؟

يبدو أن "خيار التطبيع" مع كيان الاحتلال العنصري الصهيوني أصبح "خيارا استراتيجيا" بالنسبة لعدد من دول الخليج العربية وخاصة الإمارات والسعودية على تفاوت في إبداء المواقف بشكل صريح بينهما. ولا شك أن مصر هي الأخرى لها يد في مباركة خطوات التطبيع التي يبدو أنها تسير في إطار صفقة مشبوهة تتفق عليها أنظمة عربية "تقليدية" والولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال العنصري مع دول غربية أخرى من شأنها تصفية القضية الفلسطينية و"حلها" على طريقة الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" حيث تتلخص كل حقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على أجزاء من سيناء وشريط غزة وأبو ديس كعاصمة لفلسطين الجديدة مع استثمارات هائلة مصدرها دول خليجية ترغب في تسوية القضية الفلسطينية على هذا النحو.

ورغم أن الأمر اشتملت عليه "صفقة القرن" ورفضه الفلسطينيون بشكل قاطع، إلا أن عرابي التطبيع يتطلعون إلى إعادة إحياء هذه الصفقة من خلال فرض التطبيع و"إفشائه" بين البلدان العربية لإرغام الفلسطينيين على أمر واقع يراد له أن يتجسد متمثلا في اعتراف "كافة الدول العربية بــ(إسرائيل)" كــ"دولة أساسية وصديقة وفاعلة في المنطقة" ؟!

لذلك تواصل أبو ظبي والرياض مساعيهما لإغراء عدد من العواصم العربية من أجل إقامة "علاقات طبيعية" مع كيان الاحتلال الغاصب لفلسطين تحت مسمى " معاهدة ابراهام للسلام" بحجة أن الأمر يتعلق بسلام بين "ابناء عمومة وأبناء دين واحد هم أبناء إسماعيل وإسحق ابني إبراهيم" عليهم السلام. ثم إن أصحاب هذا التوجه يرون أن "الحل الوحيد والنهائي للقضية الفلسطينية يكمن في فرض السلام والتطبيع أولا ثم التوجه نحو خطوات ملموسة بين "الأصدقاء" للتوصل إلى حلول نهائية". وفي جميع الأحوال فإن هذه الخطوات وما قد ينجم عنها هو في النهاية ضد مصالح الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بما في ذلك الهرولة العربية نحو كيان الاحتلال العنصري.

 

 موريتانيا على خطى بقية الدول المطبعة؟

ورغم أن موريتانيا أعلنت رسميا تمسكها بحل الدولتين وبأن موقفها من القضية الفلسطينية مرتبط بــ"إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف" قبل اتخاذها أي موقف آخر، إلا أنها تتعرض لضغوط قوية خليجية وأمريكية بالدرجة الأولى بهدف إعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني وهو أمر تتحدث عنه بعض الأوساط الأمريكية ومسؤولين أمريكيين بارزين بينهم جاريد كوشنير الذي تحدث قبل أيام عن أن دولا خليجية وموريتانيا بصدد إبرام "معاهدة سلام" مع (إسرائيل). كما أن مصادر مطلعة تحدثت عن لقاءات بين مسؤولين موريتانيين وإماراتيين من جهة وموريتانيين وسعوديين من جهة أخرى تناولت جانب العروض المقدمة لموريتانيا مقابل "إعادة العلاقات مع إسرائيل".

وتحدثت أوساط دبلوماسية وإعلامية (إسرائيلية) ودولية عن اقتراب نواكشوط من الاستجابة للضغوط والإغراءات القوية خاصة وأنها غارقة في الديون وتحتاج إلى مشاريع استثمارية كبرى (ليس من بينها مشروع مستشفى سلمان التخصصي". حيث تعاني موريتانيا من وضع اقتصادي صعب للغاية يتطلب تدخلا خارجيا بالمنح والتمويلات والهبات حتى تستعيد عافيتها، وهو موضوع تناوله وزير خارجية نواكشوط في جولته الخارجية الأخيرة والتي شملت الرياض والدوحة.

وتقول مصادر مقربة من دوائر مطلعة في واشنطن وأبو ظبي والرياض إن مسألة استعادة العلاقات بين موريتانيا و(إسرائيل) هي مسألة وقت وإجراءات فقط، حيث يحتاج النظام الموريتاني إلى ترتيب الأوضاع الداخلية وتهيئة الشعب الموريتاني لقبول خطوة من هذا القبيل وهو الذي احتفى بقطع النظام السابق علاقات موريتانيا بالاحتلال في موقف أعجب غالبية الموريتانيين واعتبروه خطوة شجاعة وغير مسبوقة في تاريخ التطبيع.

النظام وخطورة الموقف داخليا

ولا شك أن سبب تأخر موريتانيا في الالتحاق بالإمارات والبحرين والمغرب والسودان وقبلهما مصر والأردن، ناجم بالدرجة الأولى عن حساسية الشعب الموريتاني من كيان الاحتلال المشهود له بالإرهاب والدموية بحق الشعب العربي في فلسطين ولبنان ومواقفه العدائية التاريخية من كافة الدول العربية والإسلامية فضلا الحروب التي شنها على الدول العربية والإرهاب المتواصل ضد النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين واحتلال أرض فلسطين ثم أراض عربية لاحقا في مصر وسوريا ولبنان، وهي حروب ساهمت فيها نساء موريتانيا بالتبرع بالحلي والأموال في حروب العزة لمواجهة غطرسة الاحتلال الصهيوني. ولعل ذلك، إلى جانب الحساسية الشعبية ضد الاحتلال الصهيوني، هي ما جعلت نواكشوط تتردد كثيرا في قبول الإغراءات العربية والغربية لإعادة علاقاتها مع الكيان الصهيوني العنصري.

لذلك يمكن القول إن الوضع الداخلي لا يسمح حاليا بالإقدام على إعلان خطوات كهذه لأن ذلك سيضاعف من معارضة النظام وسيفتح عليه "جبهات داخلية" لا قبل له بها في الوقت الراهن. خاصة مع توقيع 200 عالم وفقيه موريتانيين مطلع فبراير الماضي وثيقة رفض للتطبيع واستعدادات على مستوى البرلمان لصياغة مشروع قانون يجرم التطبيع فضلا عن رفض الغالبية من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والصحافة لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ومع ذلك، تقول مصادر مطلعة، إن النظام الموريتاني سيسعى لإنجاز مشاريع كبيرة في الفترة القليلة المقبلة تحوز رضى غالبية الشعب، حتى يستطيع الإقدام على "خطوات مبررة" بحجة "الانفتاح والتأكيد على تصميم موريتانيا على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وذلك في إطار الحوار والسلام بعد أن فشلت عقود طويلة من المواجهة المسلحة والممانعة".

ورغم ذلك فقد صرح مسؤولون أمريكيون لـ"تايمز أوف إسرائيل" شهر يناير الماضي، بأن موريتانيا كانت على وشك تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما صرحت بذلك عدة صحف في الكيان الصهيوني ووسائل إعلام أمريكية. فضلا عن تصريحات مسؤولين سياسيين.

فهل تخضع موريتانيا للضغوط العربية والغربية بالفعل، أم أنها ستواصل سياسات "التسويف" كما يسميها المشككون في إمكانية إقامة علاقات موريتانية مع كيان الاحتلال العنصري. 

 

أحمد بن مولاي امحمد

 

العدد 640 من يومية التواصل بتاريخ 26 – 03 - 2021

أحد, 28/03/2021 - 17:11