ديبي: ولايات الحكم وأزمات أفريقيا! 

وافق رؤساء الدول والحكومات الأفريقية على اختيار الرئيس التشادي إدريس ديبي، رئيساً دورياً للاتحاد الأفريقي، خلال واحدة من أهم القمم الدورية للاتحاد، والتي عقدت السبت الماضي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. 

وجمهورية تشاد، عضو الاتحاد الأفريقي، بلد غير ساحلي في وسط أفريقيا، يعتمد اقتصاده على الإنتاج الزراعي والحيواني، مع إنتاج بترولي محدود. أما رئيسه إدريس ديبي فيتولى كرسي الحكم منذ عام 1990 حين أطاح بحسين حبري من السلطة بعد تمرد مسلح قاده بدعم من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. 
وقد ولد إدريس ديبي إتنو عام 1955 في بادية «بردوبا» التابعة لمدينة «فادا» على هضبة «الندي» بشمال شرق تشاد، لأحد الرعاة من قبيلة الزغاوة المنتشرة على جانبي الحدود السودانية التشادية. وبعد اجتيازه امتحان البكالوريا التحق بمدرسة الضباط في نجامينا عام 1979، ثم تلقى تكويناً في معهد أموري لاغرانج للطيران العسكري في فرنسا. وكانت تلك سنوات اضطراب في تشاد التي لم تتمتع بالاستقرار الحقيقي منذ نيلها الاستقلال عن المستعمر الفرنسي السابق (1920 -1960)، والذي اختار لقيادتها من بعده السياسي الجنوبي فرانسوا تومبالباي (قُتل عام 1975)، فتسببت سياساته حيال الشمال المسلم في حرب أهلية طويلة الأمد، تصاعدت عام 1980 على أيدي «قوات الشمال المسلحة» بقيادة رئيس الحكومة الانتقالية المنشق حسين حبري، ضد الرئيس جوكوني ودي. وفي نهاية ذلك العام عاد ديبي من فرنسا، فانضم إلى قوات التمرد، ليعينه حبري قائداً لأركان قواته، وفي يوم 7 يونيو دخل حبري -وإلى جانبه ديبي- العاصمة نجامينا، بينما فرّ ودي إلى منفاه في الجزائر، وسرعان ما تمت ترقية ديبي إلى رتبة عقيد، ثم ابتُعث إلى فرنسا لتلقي دورة في قيادة الأركان، وبعد عودته عُين مستشاراً لدى الرئيس حبري لشؤون الدفاع والأمن. 
وبعد سبعة أعوام من العمل أمضاها ديبي في ظل الرئيس حبري، دبّ الخلاف بين الرجلين، فاتهم الرئيس مستشاره بالتخطيط لانقلاب ضده، وبالتآمر مع مسؤولين كبيرين من أقربائه (ديبي)، هما قائد أركان القوات المسلحة حسن جاموس ووزير الداخلية إبراهيم محمد إتنو. ففرّ الثلاثة معاً. وبينما أصيب جاموس واعتقل من قبل قوات حبري، وقتل إبراهيم محمد إتنو، استطاع ديبي النجاة بنفسه والوصول إلى ليبيا، ثم إلى السودان حيث أنشأ فصيلا مسلحاً باسم «الحركة الوطنية للخلاص» في مارس 1990. وفي الأول من ديسمبر استطاعت قواته، وبمساعدة من مصالح الأمن الفرنسية، دخول نجامينا وإطاحة حبري الذي أصبح لاجئاً في السنغال، وبعدئذ انتخب ديبي رئيساً لولاية أولى عام 1996، ثم لولاية ثانية عام 2001. وفي عام 2004 أجرى تعديلا دستورياً لإلغاء القيود على عدد الولايات الرئاسية، فتمت إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثالثة عام 2006، ثم لولاية رابعة عام 2011. 
وعلى مدى 26 عاماً من حكم تشاد، اتسمت علاقة ديبي مع ليبيا القذافي بالود والتقارب بعد أن كان من أشهر أعداء طرابلس خلال الحرب بين البلدين (1978 -1987). كما ظل ينظر لحكمه على أنه فترة انتقالية بين الدكتاتورية والديمقراطية، ومن إنجازاته ترسيخ الأمن والاستقرار، وإنشاء جيش تشادي قوي واجه حركات التمرد المسلحة وقام بمهمات قتالية في مناطق من القارة (خاصة مالي وأفريقيا الوسطى)، كما شهد عهده استخراج البترول التشادي، والتوسع في البنى التحتية والخدمات الأساسية. 
بيد أن تمديده لنفسه في الحكم أثار معارضة قوية ضده، مما أشعل حرباً وتمرداً في البلاد. ففي عام 1999 تكتلت 13 حركة سياسية وعسكرية لإسقاط نظامه، وفي مايو 2005، كانت المعارضة المسلحة على وشك إسقاطه، لكن القوات الفرنسية تدخلت جوياً لصد المتمردين وتمكين ديبي من العودة حيث كان يحضر قمة إقليمية في غينيا الاستوائية. ثم استطاع متمردو «الجبهة المتحدة من أجل التغيير» دخول نجامينا في إبريل 2006، ولولا تدخل الفرنسيين مرة أخرى لسقط نظام حكم ديبي أيضاً. 
أما الهجوم الأوسع والأعنف على نجامينا من جانب قوات المعارضة، فكان في الأول من فبراير 2008 حين حاصروا القصر الرئاسي وديبي بداخله، فقامت فرنسا بإجلاء رعاياها من تشاد وعرضت على ديبي المنفى في أراضيها، لكنه ظل يوجِّه نداءاته يومياً لباريس مطالباً إياها بالتدخل لمساعدته، وبعد سبعة أيام من محاصرة قصره، استطاعت قوات تشادية مدعومة بقصف جوي فرنسي فك الطوق الذي فرضته قوات المعارضة على القصر ثم إلحاق الهزيمة بها أخيراً. وفي مؤتمر صحفي عقده في القصر (8 فبراير)، وقد بدت خلفه آثار نيران المعارك والقصف، وجّه ديبي الشكر لفرنسا على وقوفها إلى جانبه، بينما اتهم السودان بالوقوف وراء هجوم المعارضة المسلحة. 
وكان السودان قد اتهم ديبي بالمسؤولية عن اندلاع التمرد المسلح في إقليم دارفور، حيث تعتقد الخرطوم أن الرئيس التشادي دعم قادة الفصائل المسلحة هناك، ومعظمهم من قبيلة الزعاوة التي ينتمي إليها أيضاً ديبي، كما اعتبرته القناة الرئيسية للدعم الذي كانت تتلقاه تلك الفصائل من نظام القذافي في ليبيا. 
لكن سياسة الكيد المتبادل بين نظامي تشاد والسودان من خلال تقديم كل منهما الدعم لمعارضي الآخر وتسليحهم، لم تحقق أياً من مستهدفاته، مما جعل ديبي يعْدِل عنها نحو التقارب مع الخرطوم، وهو التقارب الذي توَّجه بعلاقة المصاهرة مع السودان، حين تزوج بأماني هلال ابنة موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد العربية في دارفور. وقد عقد قرانهما في الخرطوم عام 2012، وكان وكيل العروس الرئيس السوداني عمر البشير شخصياً. 
ومنذئذ تراجع بشكل ملحوظ خطر الحملات المسلحة من جانب قوات المعارضة التشادية ضد نظام ديبي، فأصبح أكثر اطمئناناً لوضعه من ذي قبل، مما أعطاه فرصة التفرغ لجهود التنمية في الداخل، ولتطوير دوره خارجياً على الصعيد الإقليمي، ومن ثمار ذلك رئاسته الحالية للاتحاد الأفريقي، والتي استلمها السبت الماضي من سلفه الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي. وهي رئاسة دورية مدتها عام كامل تتناوب على توليها الدول الأعضاء الـ52 في الاتحاد. ورغم رمزيتها، إذ لا تتجاوز مهام شاغلها تمثيل الاتحاد في القمم والاجتماعات الدولية، فإنه أيضاً معني بالتعاطي مع المصاعب والأزمات التي تواجهها القارة الأفريقية، بما في ذلك ملف الإرهاب في الساحل الأفريقي، والهجرة غير الشرعية، وظاهرة التهريب عبر الحدود، ومكافحة الأمراض والأوبئة في مناطق القارة، علاوة على النزاعات الحدودية بين بعض الدول الأفريقية والتوترات والحروب الأهلية داخل بعضها أيضاً.

محمد المنى

 1/فبراير/2016

ثلاثاء, 20/04/2021 - 14:50