ظَاهِرَةُ "المدِيحِ السَّقِيمِ"و "النًقْدِ العَقِيمِ"

يجمع أغلب من أَلْقَي السًمْعَ للمحاضرات و الندوات الفكرية و البرامج الحوارية و المناظرات السياسية(المباشرة و غير المباشرة) و "المُطَارَحَاتِ" البرلمانية المرئية و المسموعة ببلادنا أن الأغلبية الغالبة من المتحدثين غير السياسيين يستهلكون  كامل الوقت المخصص لهم في التشخيص و التحليل و التشريح...

أما المتحدثون السياسيون فيزيدون علي الوقت المخصص لهم  غالبا في الجهر بغليظ القول من أجل تسليط الضوء علي  نواقص و عثرات و كبوات و  خَفِيِ مقاصد و  نِيًاتِ الطرف الآخر  في حين يغيب لدي كل من  المتحدثين السياسيين و غير السياسيين اقتراح البدائل غالبا نسيانا أو تناسيا لقاعدة أن من "انتقد شيئا لزمه الإتيان بأحسن منه"!!

و كثيرا ما يعبر بعض مستهلكي الخطاب الفكري و السياسي عن مرارتهم من ضياع الساعات الطِوَالِ في حضور أو متابعة البث الإعلامي للعديد من الندوات و المَنَاشِطِ الفكرية و السياسية دون الظفر بفكرة مُجَدِدَةٍ واحدة حيث يُبَذِرُ أغلب المتحدثين الوقت في "الثناء السقيم" أو "النقد العقيم" لظاهرة اجتماعية أو  اقتصادية أو سياسية  معينة.

 و يقصد بالنقد العقيم "  النقد المشابه للريح العقيم الذي يتمخض فلا يلد إصلاحات تعويضية و لا تحسينية ويقتصر  علي التشخيص و التحليل و تبيان نقاط الضعف دون اقتراح البدائل و التحسينات أو التصحيحات المناسبة"و هو الأكثر رواجا للأسف  في المشهد الفكري و السياسي و الإعلامي الوطني الراهن.!!

فالمتأمل لإنتاج النخب الفكرية الوطنية  ملاحظ -رغم ندرته- أنه مقسم غالبا  إلي ثلاث فئات أولها فئة  قليلة العدد تتمثل في الأعمال العلمية الرصينة  التي تشكل  قيمة مضافة محسوسة و ثانيها  فئة متوسطة العدد تتجسد  في الأعمال الفكرية المُكَرًرةُ أو "المُعَادَةُ التًصْنِيعِ" أو "المُسْتَنْسَخَةُ جِينِيًا" و ثالثها فئة كثيرة العدد هي فئة الأعمال الفكرية الوصفية التي تشخص موضوع البحث و الدراسة و لا تبذل أي جهد في تصور البدائل.

أما المتابع للإنتاج السياسي الوطني  فمستنتج أولا  غياب رؤية أو مشاريع أو برامج  معاكسة بديلة لجل الأحزاب المعارضة  أو علي الأقل تغييب  و حجب تلك الرؤي  و البرامج و تركيز الخطاب السياسي المعارض فى كثير منه مع استثناءات معروفة علي تسفيه  برامج الموالاة و رفضها جملة و تفصيلا و الإذكاء الدائم  للتجاذب و المراء السياسي العنيف المُنْفَلِتِ من عُقُلِ و ضوابط المُغَالَبَةِ السياسية الراشدة.!!

كما أن المحلل  للخطاب السياسي للموالاة  واجد بأنه في سواده الأعظم منحصر في نوع من "الثناء السقيم" و "المديح الهابط" المُتَوَاتَرِ علي أن ضرره و إثمه أكبر من نفعه،   كما أن جل الخطاب السياسي الموالي ِخِلْوٌ من "النًقْدِ الصًدِيقِ" و النصح الأمين الراميين إلي تسليط أضواء كاشفة علي المحاسن و شَدِ عَضُدِهَا باقتراح إصلاحات تحسينية و تطويرية تعزز الموجود من  المكاسب و تسعي إلي تحقيق و إضافة مكاسب أخري.

 و في تقديري أن النخب الفكرية و السياسية الوطنية مطالبة بمحاربة عاجلة و قوية لظاهرة "المديح السقيم"و" النقد العقيم" التي أصابت المستهلك السياسي و الإعلامي الوطني بخيبة و الأمل و "غَيْبَةِ الحُلُمِ" و ذلك من خلال التواضع علي وجوب و إلزامية  أن يكون مضمون كل المحاضرات و المداخلات و التعقيبات و المقالات و المناظرات و "المُعَاكَسَاتِ"،... مناصفة بين التشخيص و التحليل من جهة و اقتراح الحلول و البدائل و التحسينات  من جهة أخري.

سبت, 01/05/2021 - 14:28