عن بطء العمل الحكومي

قال معالي الوزير الأول على هامش زيارة نظمها لوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي يوم الاثنين الموافق 26 إبريل 2021 إن وتيرة تنفيذ برنامج فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بطيئة. وأكد معالي الوزير الأول ـ حسب ما نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء ـ أن ذلك البطء لا يعود إلى نقص في الوسائل ولا غياب الإرادة السياسية القوية، وإنما يعود حسب التشخيص الموضوعي الذي قيم به بعد عشرين شهرا من عمل الحكومة (ثلث المأمورية) إلى قصور في الإدارة التي هي أداة كل عمل حكومي ناجح وناجع.

بعد ذلك بيومين أكد معالي وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية على هامش تعليقه على بيان مجلس الوزراء أن التأخر الملاحظ في تنفيذ المشاريع يعود بنتيجة سلبية على ميزانية الدولة وعلى صورتها في الخارج.

إن هذا التشخيص الذي قدمه معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد يستدعي أن يتبعه ـ وبشكل فوري ـ العلاج، فما هو العلاج المقترح؟ وهل بدأ تقديمه أم أن تقديمه سيعاني هو أيضا من بطء في التنفيذ؟ 

تزامنت تصريحات معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد مع خبر غريب تناولته بعض الوكالات الدولية مفاده أن زعيم كوريا الشمالية "كيم جون أون" أعدم أحد الموظفين الحكوميين بعد تأخره في إنهاء مشروع يتعلق بتجهيز أحد المستشفيات.

ذلكم كان مجرد قوس فتحته، فكوريا الشمالية ليست نموذجا يحتذى به، وما يصلح لها لا يصلح لنا، فلنغلق القوس، ولنعد إلى تصريحات معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد التي اتفقت على وجود بطء في أداء العمل الحكومي.

بدءا لابد من التذكير بحقيقة أظن أنه لا خلاف عليها، وهي أن الوزراء وكبار المسؤولين في هذا العهد قد مُنحوا صلاحيات واسعة، على عكس ما كان يحدث في السابق. هذه الحقيقة يجب أن تترتب عليها ضريبة ما، وتلك الضريبة هي أن يتحمل كبار الموظفين مسؤولية أي تقصير قد يقع خلال تأديتهم لمهامهم، وأن يحاسبوا على ذلك التقصير، فتلكم هي ضريبة منح الصلاحيات الكاملة.

وحتى ندرك خطورة هذا البطء الملاحظ الذي تحدث عنه معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد علينا أن نُذكر بأن تنفيذ برنامج فخامة رئيس الجمهورية الذي تعهد به للشعب الموريتاني محكوم بسقف زمني محدد، لا يتجاوز خمس سنوات، وهو ما يعني أن أي بطء في وتيرة التنفيذ خلال العشرين شهرا التي مضت (ثلث المأمورية)، لابد وأن يؤثر على الثلثين الباقيين، ومن هنا تبرز ضرورة الإسراع في تقديم علاج ناجع لهذا البطء الملاحظ. 

لكي ندرك أكثر خطورة البطء في التنفيذ دعونا نأخذ هذا المثال المبسط:

تصوروا مثلا أن شخصا ما أعطى لمقاول ما 20 مليون أوقية قديمة ليشيد له منزلا خلال عام، مع راتب شهري قدره 200 ألف أوقية كل شهر، أي 2400000 للعام. لما جاء هذا الشخص إلى المقاول بعد نهاية السنة وجد العشرين مليون أوقية لم تنقص أوقية واحدة، ولكن المنزل لم يُشيد، في حين أن المقاول سيأخذ رواتبه لكل أشهر السنة.

تصوروا أيضا أن نفس الشخص أعطى مبلغا مساويا لمقاول آخر وبنفس الراتب ولما جاءه نهاية السنة وجده شيد المنزل مع عمليات احتيال وغش في النوافذ والأبواب تقدر في المجمل بمليون أوقية.

البعض قد يعتبر المقاول الأول مستقيما وأمينا وأنه أفضل من المقاول الثاني، والحقيقة أن ما أهدره المقاول الأول من مال الشخص المذكور يفوق ما سرقه المقاول الثاني بكثير.

إن إهدار الوقت ـ خصوصا إذا كان هذا الوقت محددا بسقف زمني لا يتجاوز خمس سنوات ـ قد لا يقل خطورة عن نهب المال العام، بل إنه في بعض الأحيان قد يكون أكثر خطورة من نهب المال العام. 

لقد تعهد رئيس الجمهورية للشعب الموريتاني ببرنامج انتخابي يجب أن يتحقق خلال خمس سنوات، ومن هنا فإنه من الواجب على كل قطاع حكومي أن يتولى إنجاز حزمة من التعهدات التي تضمنها ذلك البرنامج الانتخابي، وأن لا يتأخر في إنجاز تلك الحزمة، فبذلك، وبذلك وحده سيفي رئيس الجمهورية بتعهداته للشعب الموريتاني مع نهاية مأموريته. وحتى يكون بالإمكان محاسبة كل قطاع وزاري محاسبة دقيقة على ما أهدر من وقت ومال، وعلى ما أخل به من تعهدات رئيس الجمهورية فإنه على كل قطاع أن يتعهد بإنجاز حزمة محددة من المشاريع خلال سقف زمني محدد، وبكلفة مالية محددة، وحينها سيكون بالإمكان محاسبة القائمين على ذلك القطاع بشكل دقيق.

لتوضيح الأمر أكثر دعونا نفترض مثلا أن الوزير (س) حدد 5 مشاريع ستنجزها وزارته خلال العام 2021، وبكلفة إجمالية تصل إلى 5 مليار أوقية قديمة.

ولنفترض مثلا أن التفتيش اهتم بمستوى الإنجاز، فنظم زيارة في الشهر السادس من العام 2021 لتلك الوزارة، فوجد أن مستوى الإنجاز، وبالمعايير المتفق عليها وصل إلى 45% مثلا، وبأنه في يوم 31 ديسمبر 2021 وصل إلى مستوى 95% مثلا . هنا يبدأ التدقيق المالي فإذا كانت الموارد المتبقية من المشاريع، أي 5% موجودة في حسابات الوزارة، فهذا يعني أن هذا الوزير يعتبر وزيرا مثاليا قل نظيره، ومثل هذا الهامش في تأخر الإنجاز مقبول ومبرر.  أما إذا كانت الأموال غير موجودة، فهذا يعني أن الوزير وموظفي وزارته اختلسوا 250 مليون من المال العام، مع مستوى إنجاز كبير يصل إلى 95%.

الآن لنفترض أن الوزير (ص) حدد أيضا حزمة من المشاريع تصل إلى 5 مشاريع، وبكلفة مالية تقدر ب 5 مليارات أوقية قديمة، مع سقف زمني يصل إلى سنة.

لنفترض أنه بعد 6 أشهر كان الإنجاز في هذه المشاريع لا يتعدى 5% ، وأنه في يوم 31 ديسمبر 2021 وصل مستوى الإنجاز إلى 13% مثلا. بعد التدقيق المالي وُجِد أن المبلغ المتبقي الذي يمثل 87% ( 4 مليار و35 مليون أوقية) موجود بالكامل ولم تنقص منه أوقية واحدة.

في العادة يتم وصف الوزير (س) بالمفسد، وتشن عليه الحملات، وهذا طبيعي جدا لأنه اختلس 250 مليون أوقية من مال الشعب، ولكن ما هو غير طبيعي أن لا يتم الحديث بشكل سلبي عن الوزير (ص) رغم أن عجزه وسوء تسييره كلف خزينة الدولة أضعاف ما سرقه الوزير (س) . فكل ما أنفقته الدولة كرواتب للوزير (ص) وعمال وزارته، وكل ما تم إنفاقه من علاوات و ملتقيات وأسفار على العمال في الوزارة (ص) خلال العام 2021 لم يعد بنتيجة على المواطن، وهو في حقيقة أمره يعتبر مالا مهدورا.

ليس هذا فقط، فبالإضافة إلى كل ذلك فإن هذه النسبة الضعيفة من الإنجاز للوزير (ص) ستَحْرِمُ البلاد من موارد مالية كان بالإمكان أن تحصل عليها من شركائها في التنمية، ولكن البطء في تنفيذ المشاريع سيحرمها من تلك الموارد، وهو ما أشار إليه وزير الاقتصاد في تعليقه على بيان مجلس الوزراء.

ختاما

بما أن كل عملية تشخيص يتبعها في العادة تحديد العلاج وتقديمه، فهذه بعض المقترحات التي قد تكون مفيدة في علاج البطء الملاحظ في الأداء الحكومي:

1 ـ لابد من محاسبة المسؤولين عن هذا البطء، فمنح صلاحيات واسعة يجب أن يتبعه حساب عسير في حالة أي تقصير؛

2 ـ لابد من محاربة الفساد الإداري وإعادة الاعتبار لأصحاب الكفاءة من ذوي الأيادي النظيفة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالوظائف الفنية، والتي يجب أن تبعد بشكل كامل عن السياسة؛ 

3 ـ لابد من ابتداع آليات جديدة في محاسبة المسؤولين، على أن لا تقتصر تلك المحاسبة على ما يتم نهبه من مال عام، بل تمتد لتشمل المحاسبة على ما يتم إهداره من وقت.

 

حفظ الله موريتانيا...  

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com

 

اثنين, 03/05/2021 - 11:20