كيف نستفيد من ارتفاع أسعار خامات الحديد؟

واصلت أسعار خامات الحديد انتعاشها، حيث بلغ متوسط سعر الطن بالنسبة للخام القياسي خلال الربع الأول من العام االجاري 166.9 دولارا بزياة قدرها 77.9 دولارا وبنسبة 87.52 % مقارنة مع الربع ذاته من عام 2020 ومن المتوقع أن تظل قريبة من مستواها الحالي طوال العام، بسبب تداخل العديد من العوامل على رأسها السياسات المتبعة عالميا من أجل تنشيط الاقتصاد والخروج من الركود الذي سببته جائحة كورونا، حيث أطلق بايدن الخطة الأمريكية لاستثمار تريليوني دولار في البنية التحتية، كما بدأت الصين تنفيذ الخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الصينية (2021 -2025)، هذا بالإضافة إلى السياسية المالية الأمريكية وضعف الدولار، وكذلك التصعيد الأخير بين الصين وأستراليا، حيث ألغت الحكومة الفدرالية الأسترالية اتفاقية كانت ولاية فيكتوريا وقعتها مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق بخصوص حزمة مشاريع في البنية التحتية تصل قيمتها حوالي 10 مليار دولار.

 

الطفرة نقطة التحول

من الملاحظ أن جائحة كورونا ساعدت في تسريع وتيرة تحكم الصين في السوق العالمي لخامات الحديد، والسعي إلى أن يكون لها صوت قوي في عملية وكيفية التسعير المادة الخام، وقد بات من الواضح أن السوق العالمي لخامات الحديد يمر بتغيرات دراماتيكية، على رأسها التحول إلى المناجم الذكية، والإقبال على رقمنة التجارة العالمية للمادة الخام، والتسوية بالعملة الصينية، وحسب مؤشرها، وقد أعلنت الصين مطلع العام الجاري عن استراتيجيتها الجديدة لتنويع مصادر وارداتها من المادة الخام، وكسر هيمة أستراليا عليها بل و أخطر من ذلك، إذ من المتوقع أن تنقل هذه الاستراتيجية الصراع و المنافسة من صراع بين الصين والأربعة الكبار إلى صراع بين المصدرين اللذين ستكون هي من أكبرهم وإن بطريقة غير مباشرة، وقد أصبحت مشاريعها الخارجية تحيط بنا شمالا وجنوبا بدءا بالتوقيع مع الجزائر على مذكرة تفاهم لاستغلال منجم غار جبيلات، ومرورا بتقدم الأعمال في تطوير منجم سيماندو بغينيا كونكري، وإنتهاءا ببدأ التصدير من منجم تانغ كيلي بالسيراليون بل وحتى الحديث عن قطع السنغال أشواطا كبيرة بخصوص الاستثمار في سكة حديد لدعم استخراج وتصدير خام الحديد.

العالم يقترب شيئا فشيئا من نقطة انعطاف تاريخية، ألا وهي فقدان الأربعة الكبار ومن يقف ورائهم السيطرة على تسعير المادة الخام لصالح الصين، وإذا كانت الطفرة الماضية (2009-2014) تمخض عنها الاستغناء عن نظام التسعير السنوي التقليدي واستبداله بنظام جديد يعتمد العقود القصيرة الأجل والتسعير وفق المؤشر، فإن الطفرة الحالية بدون شك سترسم المعالم الصينية للسوق العالمي لخامات الحديد، وهو ما يفرض علينا تبني خطة استباقية تضمن استمرارية رافعة الاقتصاد الوطني بل والتعزيز من دورها بحيث يصبح إسمها " الشركة الوطنية للصناعة والمناجم" اسم على مسمى.

 

الاستفادة من الطفرة

أعلنت شركة اسنيم خلال السنتين الماضيتين عن تحقيق أرباح بلغت 105 و 213 مليارأوقية قديمة على التوالي، وإذا بقي متوسط سعر الطن بالنسبة للخام القياسي خلال العام االجاري في حدود 150 دولارا للطن، وحافظت الشركة على حجم صادراتها 12.5 مليون طن سنويا، فإن الأرباح خلال العام الجاري قد تكسر حاجز المليار دولار، ومن المهم أن تستغل بلادنا الطفرة الحالية في أسعار خامات الحديد لتحقيق أهدافها الإستراتيجية المتمثلة في البحث عن موطئ قدم في عالم ما بعد كورونا أحسن من موقعنا الحالي في قاع السلسلة الصناعية كدولة مصدرة للمادة الخام فقط، وذلك عن طريق تحديث وتطوير وعصرنة بنيتها التحتية وتحسين خطوط الإنتاج والنقل والشحن لديها، وتعزيز مكانة القدرة التنافسية لمنتجاتها من المادة الخام كما وكيفا تمهيدا لتغيير معادلة مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام بالتقدم إلى الأمام نحو الصناعة التحويلية التي تخلق قيمة مضافة أكبر، وفرص عمل أكثر، وإيرادات أفضل ، مما سيساهم مستقبلا في التقليل من خطر الاعتماد شبه الكلي على السوق الصيني، ويتيح لبلادنا استفادة أكبر من الشراكات والتكتلات الاقتصادية شامالا وجنوبا خاصة بعد دخولها في منطقة التجارة الحرة الإفريقية وعودتها المرتقبة إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وهذا ما سيمكننا في نهاية المطاف من بناء اقتصاد متنوع ومزدهر، و كسب رهان التنمية المستدامة الشاملة عن طريق تطوير ثرواتنا المتجددة (الثروة السمكية والحيوانية والزراعية) والرفع من أدائها في اقتصاد بلادنا حتى تصبح هي المحرك الأساسي لنموه بصورة مستدامة وشاملة.

ثلاثاء, 04/05/2021 - 00:57