هل سيكسب الوزير معركة الإصلاح أم أنه سيخسر؟

هناك أسئلة تطرح كثيرا في أيامنا هذه على هامش النقاش الدائر حاليا حول جهود وزير الصحة لإصلاح قطاعه. سأحاول في هذه السطور أن أجيب على تلك الأسئلة بشكل موضوعي، مبتعدا ـ قدر المستطاع ـ عن العواطف والتمنيات، وكذلك عن الأجوبة النمطية التي تعتمد على أحكام مسبقة.

هل تستحق جهود الوزير الإصلاحية كل هذا الاهتمام؟

نعم تستحق كل هذا الاهتمام، بل وأكثر، وذلك لأنها جهود تتعلق بمحاولة أصلاح قطاع حيوي جدا وفاسد جدا، ثم إن معركة الإصلاح التي يخوضها الوزير حاليا قد تحدد اتجاه بوصلة مسار الإصلاح في هذا العهد، فإن نجح وزير الصحة في جهوده الإصلاحية، فإن ذلك سيشجع وزراء آخرين بعد أن تصيبهم عدوى الإصلاح، مما قد يجعلهم يقررون خوض حروب إصلاح داخل قطاعاتهم، وإن فشل الوزير ـ لا قدر الله ـ فإن للفشل أيضا عدواه، بل أكثر من ذلك فإن فشل وزير الصحة في جهوده الإصلاحية، قد يؤدي ببقية الوزراء إلى الانسحاب  من معارك الإصلاح حتى من قبل أن يبدؤوا تلك المعارك.

هل سيكسب الوزير معركة الإصلاح أم أنه سيخسر؟

إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب منا أولا أن نحدد نقاط القوة التي يمتلكها الوزير ونقاط ضعفه كذلك.

 

نقاط القوة

يمتلك وزير الصحة ثلاث نقاط قوة أساسية:

1 ـ أنه طبيب ميداني ويعرف القطاع جيدا ومعروف بالاستقامة والابتعاد عن الفساد حسب أغلب الشهادات التي تصلنا عنه.

2 ـ لديه ـ كغيره من الوزراء ـ صلاحيات واسعة ممنوحة من طرف رئيس الجمهورية.

3 ـ حصل على دعم شعبي غير مسبوق

 

نقاط الضعف 

يعاني وزير الصحة في جهوده الإصلاحية من أربع نقاط ضعف مقلقة:

1 ـ قوة الخصم وقدرته الفائقة على إفشال جهود إصلاح القطاع، فقد أفشل سابقا هذا الخصم القوي محاولات لإصلاح القطاع في عهد الرئيسين السابقين: ولد عبد العزيز وولد الشيخ عبد الله.

2 ـ خلل كبير في ترتيب الأولويات، فقد كان من المفترض أن يبدأ الوزير بالمستشفيات العمومية وبمركزية شراء الأدوية والتجهيزات والمستهلكات الطبية الموريتانية "كاميك"، وبفرض جودة الدواء وتوحيد وتخفيض أسعاره، وذلك من قبل الحديث عن مسافة 200 متر التي يجب أن تفصل بين كل صيدليتين وبين الصيدليات والمستشفيات.

3 ـ عدم التخلص من الموظفين الفاسدين في الوزارة، والذين يتحملون ـ بشكل أو بآخر ـ جزءا من هذا التردي الذي يعاني منه قطاع الصحة..صحيح أن الوزير تخلص من بعض أولئك ولكنه ما زال يحتفظ ببعضهم الآخر.

4 ـ التقصير في مجال إنارة الرأي العام، فعلى الوزير أن يعلم بأن لديه شركاء في هذه الجهود الإصلاحية، وأخص من الشركاء نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين دعموا ـ وبشكل مبكر ـ  جهود الوزير الإصلاحية بالحملات التدوينية وبالوقفات الميدانية الداعمة. هؤلاء يجب تزويدهم بالمعلومات، فهل الوزارة قد أعدت مثلا خطة بديلة لتوفير الدواء في حالة حدوث أزمة بسبب إغلاق الصيدليات أو بسبب تآمر من طرف بعض ملاكها لإفشال جهود الوزير الإصلاحية؟

إذا كانت هناك خطة بديلة فيجب أن يُكشف عنها للرأي العام لطمأنته، وإذا لم تكن هناك مثل تلك الخطة البديلة، فذلك سيعني الفشل لا قدر الله. 

بعد أن حددنا نقاط القوة ونقاط الضعف فلنعد الآن إلى السؤال : هل سيكسب الوزير معركة الإصلاح أم أنه سيخسر؟

هناك احتمال قوي جدا أن يكسب الوزير معركة الإصلاح إن هو تعامل بشكل إيجابي مع نقاط ضعفه، وإن لم يتعامل مع نقاط ضعفه، فإن احتمال النجاح لن يكون أقوى من احتمال الفشل.

ماذا يجب علينا كداعمين لجهود الوزير أن نفعل إذا لم يتعامل الوزير بشكل إيجابي مع نقاط ضعفه المحددة أعلاه؟

علينا أن نواصل دعمه وبحماس، فحتى ولو كان احتمال نجاح جهوده ضعيفا، فذلك لا يبرر لنا التقاعس عن دعم تلك الجهود. إن أي احتمال لإصلاح قطاع الصحة، حتى ولو كان ضعيفا، يستحق الدعم والمساندة.

هل الدعم الشعبي للوزير يمكن أن يستغل سياسيا؟

نعم يمكن لهذا الدعم أن يستغل سياسيا، وهناك من سيحاول أن يستغله لتلميع نفسه او لتحقيق مصالح خاصة على حساب أولئك الذين قرروا ـ بكل عفوية وصدق ـ أن يدعموا جهود الوزير لإصلاح قطاع الصحة.

كيف نحمي هذه الهبة الشعبية العفوية والصادقة من الاستغلال؟

لا يمكن أن نحميها إلا بالانخراط فيها أكثر، فعلى كل من يعتقد بأنه صادق في دعمه، أن يلتحق بهذه الهبة وأن ينخرط فيها أكثر ليحميها من استغلال أصحاب المآرب الخاصة.

هل هناك من يشوش على هذه الجهود الإصلاحية وعلى الهبة الشعبية الداعمة لها؟

نعم هناك الكثير من المشوشين . هناك المتضررون وهؤلاء لن يبخلوا بفعل أي شيء لإفشال جهود الوزير الإصلاحية، وذلك "حقهم الطبيعي". وهناك طوائف أخرى من المشوشين نذكر منهم:

1 ـ  أولئك الذين يوزعون التهم دون دليل، فيتهمون جهة سياسية بكاملها بالوقوف ضد الجهود الإصلاحية. يكفي لتفنيد ذلك الاتهام أن نعود إلى أرشيف أحد المواقع المحسوبة على تلك الجهة، وإلى تدوينات  بعض القائمين على ذلك الموقع لنجد بأن هناك جهدا إعلاميا كبيرا قد قيم به في مجال كشف الفساد في قطاع الصحة.

2 ـ بعض المنتمين لتلك الجهة السياسية، والذين تفرغوا في أيامنا هذه لانتقاد جهود الوزير الإصلاحية، وللتشكيك في جدوائية الهبة الشعبية الداعمة للوزير.

3 ـ المثبطون :  وهذه فئة من الناس تظل نائمة نوما طويلا، ولا تستيقظ و لا تنشط إلا إذا شاهدت فعلا إيجابيا، فحينها تنشط لتعارض - وبشراسة - ذلك الفعل الإيجابي، وهي لا تعرف لماذا تعارض أصلا ذلك الفعل الإيجابي.. هناك من يشوش على جهود الوزير الإصلاحية والهبة الشعبية الداعمة لتلك الجهود، وليست لديه أي مصلحة في ذلك، ولا علاقة له بالجهات المتضررة، إنما يقوم بذلك لإشباع "رغبته التثبيطية"، لا أقل ولا أكثر.

السؤال الخلاصة : ما هو الأسلوب الأمثل الذي يجب عليَ كمواطن صادق طامح للتغيير أن أتعامل به مع جهود الوزير لإصلاح القطاع؟

في اعتقادي بأن الأسلوب الأمثل يتلخص في نقطتين :

1 ـ الانخراط بشكل قوي وعلني في الهبة الشعبية الداعمة لجهود الوزير الإصلاحية.

2 ـ تقديم النصح للوزير من أجل مواجهة نقاط ضعفه، ولكن ذلك النصح يجب أن تسبقه إشادة بمحاولات الإصلاح التي يقوم بها.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

أربعاء, 13/11/2019 - 13:08