حزب الحاكم.. خذلان متكرر

"الاتحاد من أجل الجمهورية» (UPR) أنشأه «عزيز» كملكية خاصة به، وقد سهر عليه طوال عشر سنوات، غذّاه خلالها وسمّنه من المال العام، ورغم أنه ليس حزباً بأي مفهوم للحزب السياسي (بل هو تجمّعُ مصالحَ خاصةٍ انتظم حول الرئيس وضم شيوخ القبائل وكبار الموظفين والضباط ورجال الأعمال وجميع الانتهازيين من كل لون وصنف)، ورغم أن لحمه نبت من حرام (مناصب وامتيازات وصفقات وأراضي ورخص وتمويلات.. للنواب وكبار المسؤولين).. فهو في الواقع مزرعة خاصة مسجلة باسم «عزيز» شخصياً، ولا يجوز لغيره منازعته فيها أو محاولة انتزاعها منه، حتى ولو تحمّس أغلبية عمال المزرعة لبيع أنفسهم وما تحت أيديهم من أدواتها لأول عابر يعرض السعر المغري.
وفي خضم الصراع الحالي على UPR ومرجعيته، ليس هناك ما هو أكثر سُخفاً وتهافتاً علمياً وابتذالا أخلاقياً وسياسياً من قولهم إن الرئيس غزواني بحاجة إلى سند حزبي ذي أغلبية برلمانية، يعينه على تنفيذ برنامجه الانتخابي! وذلك، أولا؛ لأن الدستور الموريتاني لا يسمح لرئيس الجمهورية بتزعم أي حزب أو هيئة حزبية، أحرى أن يكون مرجعيته (مصطلح مخاتل مستحدث)، ولعل ذلك المنع كان مرده إلى مراعاة حصيفة من واضعي التعديل الدستوري عام 2006 لطبيعة نظامنا السياسي "المختلط" (الرئاسي ذي الملمح البرلماني الباهت). لذلك فما يحتاجه الرئيس لتنفيذ برنامجه هو الإرادة والتخطيط والاستعانة بفريق تنفيذي كفء وفعال ونزيه، وليس "حزبا" مترهلا وفاسدا.
وثانياً؛ لأن الأغلبية البرلمانية التي هي بيت القصيد ومحل التبرير في النزاع الحالي على «الاتحاد من أجل الجمهورية»، هي أغلبية مصطنعة وليست أغلبية حقيقية، بمعنى أن UPR نالها بحكم كونه «حزب السلطة»، وما أن ترفع هذه الأخيرة غطاءها عنه وتمسك عطاءاتها ومنحها له، حتى تتلاشى تلك «الأغلبية» وتصبح أثرا بعد عين خلال بضع ساعات فحسب، كما رأينا خلال الأيام القليلة الماضية حيث انفض النواب من حول «عزيز» وسابقوا الريح زرافات ووحداناً إلى غزواني باعتباره صاحب السلطة والحكم. وقبل ذلك كنا شهوداً على تجربة مماثلة مع «عادل» عام 2008، وقبله مع الحزب الجمهوري عام 2005، وقبل ذلك كله مع «حزب الشعب الموريتاني» (1978)، ثم مع «هياكل تهذيب الجماهير» (1984). لذلك فإن أغلبية برلمانية كهذه (تجمعها قصعة وتفرقها عصا) مضمونة مسبقاً للرئيس (أي رئيس) مادام في سدة الحكم، دونما حاجة إلى أي حزب سياسي، حقيقياً كان أم مصطنعاً.
وثالثاً، ولعه الأهم، لأن غزواني ترشح لانتخابات الرئاسة مستقلا، وفاز بها مستقلا، ويجدر به أن يبقى مستقلا وفوق الأحزاب وخطوط التمايز الحزبي، متخذاً من الشعب حزبَه الوحيد الذي سيبادله وفاءً بوفاء، حتى لا يكرر تجارب مَن سبقوه من الرؤساء الذين كان لكل منهم سند حزبي ذا أغلبية كبيرة من النواب والعمد.. لكنهم خذلوه عند أول اختبار جدي، وسيفعلون ذلك ويكررونه دائما!

أربعاء, 27/11/2019 - 11:54