فى أصل تسمية نواكشوط

نواكشوط أصله "اكْشُظْ". وقد أوردها امحمد ولد أحمد يورة في كتاب الآبار بمعنى "مقطوع الأذن"، لكن أهل المنطقة، وهم من آخر الناطقين بهذه اللغة، يرون أنها نوع من الصدف يكثر في المنطقة.. ويمكن أن يكون في شكل هذا النوع من الصدف توفيق بين القولين، ولعل أصل هذا الاختلاف يعود للفروق بين لسان كاتب الآبار وبين لسان أهل اكْشُظْ، كما يطلقون على المكان.  
والنون قبل "اكْشُظْ" أداة نسبة أو إضافة، وأما الواو فلعلها علامة من نمط إعرابي يفرق بين المسند والمسند إليه اندثر في الصنهاجية واحتفظت به أمازيغيات من بينها تاشلحيت.. 
وفي اللغة الصنهاجية تأتي أداة الإضافة مذكرة ومؤنثة، والمحدد لاستخدام المذكر من المؤنث جنس المضاف، وليس جنس المضاف إليه ما قبله، أو جنس المالك وليس جنس المملوك. يقولون "ان يَّاركن" ذو العجول، بئر في غرب إگيدي، ذو العجول، و"تن يَّـاركن" ذات العجول موضع عند الكيلومتر 30 جنوب نواكشوط على طريق روصو.. فاستخدام "ان" بدلا من "تن" ليس مرتبطا بجنس العجول، بل بجنس طبيعة أو وصفِ المكان الغائب لفظا الحاضر في ذهن من أطلق الاسم، ربوة أو نجدا أو وادا أو أضاة أو جبلا.. وليست بمعنى البئر، كما يسارع بعض الناس، فالبئر هو "أمج"، والقصير من الآبار "تنيئذ"، وأطولها "إگئذي".  
ولا يبدو أن النظام الصوتي للعربية قد قدم نموذجا موحدا للتعامل مع الكلمات التي تبدأ بساكن. لعل الأمر مرتبط ببنية الكلمة الموطنة، ومقاطعها، ومستوى المحافظة المرتبط بالظرف التاريخي أو الجهة التي اعتمدته.. ومن أكثر الأسماء التي طوعتها العربية تطويعا كاملا لنظامها الصوتي France، فقد نُـقل السكون في بدايتها إلى حركة فتح وأزيل التقاء الساكنين بحذف المد، وكلتا الظاهرتين من المحظورات في النظام الصوتي للغة العربية، لتصبح فرنسا، وكفى الله المؤمنين شر ألف الوصل في الكتابة. وقد ذهب بن باديس، حين سئل عن حركة فائها، إلى كسرها، طلبا لكسر فرنسا نفسها. 
 أما بريطانيا، فلعل عظمتها قد حفظت لها السكون نطقا، وأغنتها عن إضافة ألف الوصل. 
وقد أربكت "تشاد" إحدى صحفنا المحترمة، فأوردتها بألف وصل "اتشاد"، ثم جاءت بها في سياق التعريف، فقدم المحرر رجلا وأخر أخرى، ثم قرر ألا داعي للتعريف، فكتب بالبنط العريض "الرئيس اتشادي.." لقد جره إقحام ألف الوصل إلى التخلي عما لا يمكن التخلي عنه. 
وليس في كتابة نواكشوط دون ألف وصل سوى تطبيع مع نسق اعتمدته العربية لكتابة أسماء مثل بريطانيا وسريلانكا وسلوفاكيا وتشاد وغدامس وبروكلين وفْـلاديمير بوتين وتْرمب ولقاح فَّــايزر، وعشرات، بل مئات الكلمات الأخرى.. فهل اعتمدت العربية هذه الصيغة هربا من ملء النصوص الصحفية والأكاديمية بألف القطع، وبحثا عن الأناقة البصرية؟ أم توطينا لهذه الكلمات على نمط الكلمات غير المزيدة المحورية في اللغة العربية، وفي كل لغة؟ أم هو غير ذلك؟
وأما القول بأن العرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك، وإن الفاعل يكون مرفوعا، فذاك إعادة اكتشاف للعجلة.. أثاب الله صاحبه.

خميس, 05/01/2023 - 10:04