حول الدفع بعدم دستورية التشريع

كتب الخبير الدستوري، الدكتور ادريس ولد حرمة، مقالا حول مراقبة دستورية القوانين من طرف المجلس الدستوري. إذا راقب القانون قبل سريانه وحكم بعدم دستوريته فلا إشكال لأن القانون لن يطبق. ولكن في حالة الدفع بعدم الدستورية بكون القانون نافذا وساري المفعول. لذلك يجب أن لا يكتفي المجلس بالحكم بمخالفة الدستور وإنما يتعين عليه تقرير مصير القانون المطعون فيه إما بالإلغاء الذي يسري اعتبارا من تاريخ حكم المجلس وإما بالسحب بأثر رجعي أي اعتبار كأن القانون المخالف للدستور لم يوجد أصلا.

 

وهذا نص المقال:

 

المقتضب السجيع حول الدفع بعدم دستورية التشريع

 

الحمد لله المُنعِم العليم السميع، أمر الإنسان بالمعروف ونهاه عن المنكر ولم يكلفه بما لا يستطيع، يشترى من المؤمنين بأن لهم الجنة فطوبى لمن سابق ليبيع، والصلاة والسلام على قائد الغرّ المحجلين الحبيب الشفيع، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وأجمل الصنيع. 

 

الدستور هو القانون الأسمى الذي يضع القواعد الأساسية للبلاد في مجال رحب وسيع، تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة كتحديدٍ لأهم المواضيع، ويتولى تنظيم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بينها لتحقيقتعاون نفيع، وإقامة التوازن بين هذه السلطات لمنع الصراع من أجل السيطرة والتركيع، وإقرار واجبات وحقوق المواطنين بوضوح يتجنب الغموض والتمييع.

 

ولضمان سموّ الدستور على كل القوانين وحماية الحريات والحقوق من أن تضيع، تنشأ بلدن عديدة هيئة مختصة بالرقابة على دستورية القوانين قبل أو بعد النشر والتوزيع، وتتفاوت سلطات هذه الهيئة وتختلف تسمياتها بحسب البلدان من لجنة ومجلس ومحكمة ويتسع التنويع.

 

في موريتانيا يتولى المجلس الدستوري مرقبة دستورية التشريع، للتأكد من انسجامه مع أحكام الدستور كي يسلم من الزيغ الذريع، وضمان عدم تعريض حقوق المواطنين للضياع وحرياتهم للتضييق والتجديع.

 

يمارس المجلس رقابته على القوانين قبل سريانها بالنشر كتابة أو بصوت مذيع، منها ما يعرض عليه وجوبا كالقوانين النظامية التي يبت فيها خلال أربعة أسابيع، ومنها القوانين العادية المتهمة بالخلل الفظيع، ترفع إليه اختياريا إذا كان للطاعن دليل علىالخرق الفظيع، ولكن الدعوى ضدها تتطلب اليقظة والأهبة والتسريع، لأنه لا يمكن الطعن فيها بعد إحالتها إلى رئيس الجمهورية وإصدارها بالتوقيع، وإذا قرر المجلس بأن القانون مخالف للدستور جديع، فإنه يسقط كله أو بعضه إذا كان قابلا للتجزئة والتقطيع، ولن يدخل أبدا حيز التنفيذ لأنه سيبقى كما كان مع العدم ضجيع.

 

قرارات المجلس نهائية ولا تخضع لأي طعن وملزمة للجميع، تمتثل لها كافة السلطات العمومية وتنقاد لمضمونها وتطيع.

 

وبعد اتفاق أحزاب الموالاة والمعارضة على تعديل الدستور من أجل التحسين والترصيع، أصبح المجلس الدستوري ينظر في الدفوع بعدم الدستورية كاختصاص تبيع، ضد القوانين النافذة حتى السارية منها منذ أمد سطيع، إذا تم رميها بعد تطبيقها بمخالفة الدستور وهو اتهام شنيع، بأنها تنتهك الحقوق والحريات التي يضمنها ويصونها بحكم نصيع،

 

في هذا المجال إما أن يحكم المجلس بعد إخضاع الأدلة للتدقيق والحصر والتجميع،بأن القانون سليم من العيوب ولا ينتهك سياج الدستور المنيع، وإما أن يقضيالمجلس بأن القانون يخرق أحكام الدستور ويمس من سموّه ومكانه الرفيع، عندئذ تختفي تلك الأحكام المطعون فيها من المشهد ولا يسعفها التلميع، ويتعين على المجلس في هذا المقام أن يقرر مصير الآثار السابقة للقانون الصريع، وذلك بالتصريح بإلغائه أو بسحبه حتى لا تتقاسم حكمَه تفسيراتٌ بالتضييق والتوسيع، فالإلغاء يعني توقف آثار القانون الملغَي فقط بالنسبة للمستقبل وتسْلم الماضيةُ منها من التقريع، أما السحب فيسري بأثر رجعي ويصبح موضوعا للترجيع، بمعنى حذفه كأن لم يوجد أصلا وسقوطه من المنظومة كالوشيع، وتصحيح الوضع بطمس كل آثاره السابقة وبإجراء سريع.

أربعاء, 05/04/2023 - 15:33