إن المراقب لتطورات المشهد السياسي السنغالي في ضوء الانتخابات الرئاسية الأخيرة يدرك ببساطة أن مستقبل الديمقراطية في السنغال كان على المحك خاصة وأن الوضع السياسي والاجتماعي الداخلي كان أقرب إلى الفوضى والانقسام منه إلى الاستقرار والمصالحة ، وأن الكثير من الأنظمة الإفريقية الاستبدادية كانت بدورها تراقب العملية الانتخابية عن كثب وتتمنى فشلها وانهيارها حتى لا تكون نموذجا حيا يهدد بقائها واستمرارها في زمن أصبح فيه انقلاب الشعوب الإفريقية على حكامها المستبدين مصيرا محتوما أطاح بالبعض والبقية سيأتي عليها الدور وذلك بدء من سقوط نظام عالي بونغو ومرورا بهروب آلفا كونديه وانتهاء بتحييد محمد بازوم . لقد أثبت الشعب السنغالي ومجلسه الدستوري لأفريقيا عموما وأفريقيا الفرنكفونية خصوصا أنهم على مستوى المسئولية التاريخية التي تؤهلهم لتقديم الدروس في الممارسة الديمقراطية في أَحسنصورها ، وهي ثلاثة دروس لا أكثر :
الدرس الأول ، هو أهمية انتشار الثقافة الديمقراطية في المجتمع حيث أثبت المجتمع السنغالي وعيه السياسي وتشبثه بالقيم الديمقراطية وقناعته بأن الديمقراطية هي الوسيلة الأمثل للتناوب على السلطة بعيدا عن منطق العنف والانقلابات العسكرية .
الدرس الثاني : أهمية استقلال القضاء وحياد قطاع العدالة ، فبدون استقلال رجال القضاء واحترام تدابير النصوص القانونية المنظمة للأنشطة الانتخابية تغيب الضمانات الحقيقية للممارسة الديمقراطية وتتحول هذه الأخيرة إلى مجرد وسيلة لتكريس الإقصاء واللامساواة والفساد ، و قد برهن المجلس الدستوري السنغالي على تلك الأهمية بدء برفض تأجيل الانتخابات الرئاسية وانتهاء بالموافقة على نتائج صناديق الاقتراع ( فوز باسيروديوماي فاي ) .
الدرس الثالث : أن الاستقلال السياسي توأم السيادة الاقتصادية : أي أن الاتفاقيات التجارية والشراكات الاقتصادية عموما ينبغي أن تصب دائما في مصلحة الوطن والمواطنين لا أن تكونإفقارا للأجيال المقبلة وشراء لمرضاة الأجانب وكسبا لودهم رغبة في حمايتهم ، وهذا ما جعل مرشح حزب باستيف ( PASTEF) الفائز يصر على الخروج من الفرنك الأفريقي وعلى مراجعة الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية للسنغال مع شركائها في القارة الإفريقية وخارجها .
لا بد من الإشارة إلى أن أية انتخابات رئاسية نزيهة لا يمكن تصورها بدون وزارة للداخلية تكون محايدة وقادرة على التدخل في الوقت المناسب إلى جانب لجنة مستقلة للانتخابات مهنية ونزيهة ، ويبدو أن هذه الشروط كانت مكتملة في تجربة الانتخابات الرئاسية السنغالية الأخيرة ، ما جعل من السنغال منارة للديمقراطية ومصدر أمل للشعوب الإفريقية التي ترغب في استعادة سيادتها من خلال الاختياري الديمقراطي الذي يضمن لها أن تحكم نفسها بنفسها من خلال نتائج صناديق الاقتراع .
الدكتور/ سيدي محمد يب أحمد معلوم
أكاديمي وخبير دولي في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات
