
يُواجِه المُزارِع تحديات جمة، مثل ندرة المياه وملوحة التربة، إذ تقع نواكشوط في منطقة صحراوية يسقط فيها أقل من 300 مم سنوياً من الأمطار، كما أن الجزء الأعظم منها تحت مستوى سطح البحر، مما يزيد من ملوحة التربة. ويتجه المزارعون إلى استخدام مياه تُضخ بالطاقة الشمسية عبر نظام ري بالتنقيط، لضمان الاستخدام الكفء للمياه المستجلبة من آبار يحفرونها. كما يهدد المساحات الزراعية داخل نواحي نواكشوط، تُحوَّلها إلى مكان سكن وعقارات، فهي تسيِّل لُعاب المطوِّرين العقاريين.
"قدمتُ إلى العاصمة نواكشوط من البادية، عام 1994، بسبب الظروف، التي تعصف بسكان الريف الموريتاني، مثل الجفاف، وغياب الفرص، وصعوبة الحياة. حين جئتُ إلى نواكشوط، كان إخوتي يقيمون في المدينة، ويعملون في مزارع السبخة غرب العاصمة، لكنهم تحولوا لاحقاً إلى هذا المكان، الذي أنا فيه حالياً. ودخلت معهم في مجال الزراعة، فعلّموني. وكنا نعيل بعملنا في الزراعة والدَينا وأقاربنا، وكوّنا منه الأسرة، وبنينا منه منزلنا. ولحد الساعة نعمل فيه ويغنينا عن المُساءلة والسرقة. نعمل بعضلاتنا، ونادراً ما نحصل على دعم"... هذا ما قاله لي بكل اعتزاز، المزارع الحسن ولد همد ولد أمبيريك، وأنا أجالسه رفقة بعض زملائه في بستانه البهي المنعِش، بنخيله الباسق، ونباتاته المزدهرة الجاهزة للقطف، في منطقة المزارع في مقاطعة دار النعيم بولاية نواكشوط الشمالية، المَزارع التي تُمثِّل حالاً جمالية، وحيوية تكسر الشحوب الذي يطبع العاصمة الإسمنتية نادرة النبات والشجر.
بدايات حكاية المَزارع
بدأت حكاية مَزارع نواكشوط، أو ما يعرف محلياً بـ"لحرايث"، عام 1963، حيث خُصصت 72 قطعة أرضية مساحة كل منها 2000 متر مربع للنشاط الزراعي، في ما يُعرف اليوم بمقاطعة السبخة بولاية نواكشوط الغربية، من أجل تزويد سكان العاصمة الفتية بالخضروات، وكذلك مساعدة المواطنين على العيش الكريم. كانت القطعة الأرضية في طرف المدينة آنذاك، كبيرة، ولكنها لم تكن صالحة للزراعة، إذ هي أرضٌ رملية خالية من النباتات. فجلبت إليها عشرات الشاحنات المحملة بالتربة الخصبة.