قبيلة الدولة!

إذا ما انطلقنا من تقديم (مبدلتون) و (تيب) لمؤلفهما المشترك "قبائل بدون سلطة" (Tribes without rulers ) حيث يتجلى أثر (أفانس بريتشار) ويبرز نرى أن نظرية الشرائحية تظهر بالفعل بشكل أوضح في العقيدة الوظيفية كوسيلة لتفسير غياب السلطة السياسية في مجتمعاتٍ يطلق عليها تارة "المجتمعات بلا رأس"- أو المجتمعات الفوضوية" أو "المجتمعات بدون دولة " تارات أخرى.

 

ولقد لاحظنا مع (بير بونت) أن نظام الشرائحية يُبرز بصورة خاصة "النمو المتوازن" للمجتمعات الشرائحية وهو التوازن الذي يحول دون بروز أيّة تمايزات من شأنها أن تؤدي إلى إعادة ترتيبٍ ينجمُ عنه انبثاق سلطةٍ سياسيةٍ مستقلة، وبهذا تكون المجتمعات الشرائحية تحمي نفسها ضد الدولة.

لقد كان مجتمع البيظان يشكل بالفعل نموذجاً للمجتمع الذي يخضع بشكل واسع للنُظم "الشرائحية" التي تحدثنا عنها سابقا، فهو مجتمع تمنح قيه القرابة "الهيكل المدلولي" للوحدات السياسية (القبائل وإلى حدٍ ما الامارات).

 

وينقسم هذا المجتمع إضافة إلى ذلك إلى نُظم اجتماعية مختلفة: (المحاربين، الزوايا، أصحاب الحرف والمغنون، والأرقاء السابقون والأرقاء) وقد بدأت أشكال من السلطة المركزية تظهر بشكل جيبي داخل هذا المجتمع (الامارات). ولكن كيف تم الانتقال من القبيلة إلى شكل من أشكال الدولة؟ وكيف حدث هذا التحول الذي لاتبدو نظرية "الشرائحية" قادرة على استيعابه؟

 

وإذا مانظرنا إلى الارستقراطية المحاربة (حسان) حيث يتم اختيار الأمراء يمكن أن نكتفي بالقول مع "بونت" أنه الانتقال من "فئوية شرائحية" (قبليّة ومنافية للدولة) إلى "فئوية سياسية" بحيث تتم إعادة ترتيب وتشكيل القبائل المحاربة بصورة دورية وذلك من خلال الصراع على السلطة التي ليس وجودها في "سلالة أميريّة" محل مراجعة ولكن قواعد انتقالها داخل هذه الأسرة غير ثابتة كليا. إنه الانتقال من قبيلة منافية للدولة إلى " قبيلة الدولة " ومن سيادة بنى القرابة إلى تحكم البنى السياسية. 

 

المصدر:

البروفسير عبد الودود ولد الشيخ، القبيلة في تجلياتها المختلفة. العدد الأول من مجلة الوسيط 1987

سبت, 05/12/2020 - 01:42