آلية تحسين القرارات - صناعة الرأي

إن الرأي لازمة القرار. فإن كان الرأي قد لا يتبع بقرار, فإن كل قرار يسبق برأي, وهنا تكمن أهمية إخضاعه لآلية تضمن وصوله لأقصى درجات النضج. وإن وضعية مجموعة بشرية أو أمة هي في المحصلة تعبير عن مستوى صوابية القرارات التي اتخذت في تاريخها, والذي يعكس قدرة نخبة المجتمع على صناعة الرأي ومدى استفادة القائمين على اتخاذ القرار, مهما تكن مسؤولياتهم, من ذالك.

وإن الرأي ليس حقيقة, ولا تقوم جازمة على صدقيته. فهو تقدير قد يكون صائبا, وقد يكون خاطئا, وهو في الغالب بينهما, قد يقترب من الصواب حتى لا يكاد يتبين تدبر العقلاء اختلالا في منطقه, وتلك غاية صناعة الرأي, وهدف أصحابه, وضالة متخذي القرار.

وإن اقترابه من الصواب ثمرة عملية تنضيج عقلي أدواتها الأساسية: 

- العلم فلا يرجى اكتمال رأي دون علم بما يتعلق بموضوعه من الحقيقتين التجريبية والمشهودة;  

- التعقّل ويعني هنا تطوير المرء لأدائه الذهني - على المدى الطويل تماما كالتحصيل العلمي - وفقا للمقاربة العقلانية, من خلال التمرن المستمر على تبين الإختلالات المنطقية. ويقتضي تطوير الأداء الذهني للأفراد إدخال التعقّل كمركبة أساسية في المناهج التعليمية;  

- التدبر أي إعطاء الذهن فرصة تنضيج الرأي, بالتحسين التدريجي, من خلال تكرار المراجعة المتأنية.

وإن عملية التنضيج هذه عملية ذاتية يجهدها صاحب الرأي على رأيه, وهي لا تغني عن عملية التكرير وهي عملية تصفية وتنقيح الرأي بإخضاعه لمحاكمة عقول الناس, فيحملون عليه بعقولهم, ويحملون إليه منها, فلا يدعوا علة في منطقه ٱو اجتزاء في معطياته إلا أبانوه, ولا نقصا إلا أكملوه, فيخرج من ذالك لمتخذي القرار حسن تدبير.

وإن الرأي يشمل كامل حلقات المجتمع من الأسرة إلى مراكز السلط التشريعية والتنفيذية مرورا بالأسواق والمصانع والجوامع والجامعات. فإن لم تأخذ حلقة من هذه الحلقات حظها من تدبر العقلاء, انعكس سوء تدبيرها على التنمية، وعلى أمن الناس و رفاهيتهم.

وإذا اعتبرنا الرأي منتجا, وهو كذالك بمقتضى ضرورة إخضاعه لآلية تضمن إحكامه, وأثره التنموي, وتأثيره على تنافسية المجتمعات ومكانة الأمم, فإننا بخلاف حقب سابقة من تاريخنا نمتلك اليوم كامل سلسلة القيمة* المتعلقة به, فلا يوجد اختصاص إلا وبيننا من له به سلطان وبقدر معين من تنظيم العقول وتناغمها نستطيع أن ننتج زبدة الرأي في مختلف الأمور التي يحتاجها مجتمعنا.  

 وإن حِلَق الرأي ضرورية لتنمية المجتمعات، تطبخ فيها العقول العالمة الرأي على نار هادئة, بعيدا عن تسارع وتيرة الأحداث الذي يطبع يوميات القائمين على اتخاذ القرار، يعمل كل فرد منها على تنضيج رأيه وتعمل مجتمعة على تكريره, فهي مؤسسات أهلية, وجودها ضروري من اجل تحسين نوعية القرارات, وإنتاج قيادة مستنيرة للمجتمع.

 

وخلاصة القول أننا حين نتعهد العقل بالعلم والتعقّل, يزهر زبدة الرأي, فنقطف بتكامل العقول العالمة في حِلَق الرأي حُسن القرار تدبيرا.

 

د. شماد ولد مليل نافع

*سلسلة القيمة للمنتج مفهوم يعني بإيجاز مختلف المراحل اللازمة لإنتاجه وتثمينه.

اثنين, 22/03/2021 - 00:25