مدينة "روصو": إبداع أنظمتنا الانقلابية!

اجعلها ممرَّ مُغِذٍّ إلى هدفه؛ خذ خيرها ولا تجعلها وطنا لك!

أما أنا فأعرف "لگوارب" جيدا، عن توطن ومحبة.

ولكن من يعرف لگوارب في نهاية سبعينيات القرن الماضي مثلا، ويدخلها اليوم ويتجول قليلا في أحيائها، سيصاب بالحزن والكآبة... والغضب!

لقد قطعت المدينة مراحل واسعة إلى الهاوية والخراب؛ فتحولت من مدينة جميلة محمية من السيول، ذات صرف صحي؛ تضج بالحياة وتجمع أنواع الخير والرفاهية: 

ـ  تنوع اقتصاد الحدود الدولية بأنشطته المالية والسياحية، 

ـ ازدهار التجارة والتبادل،

ـ وفرة منتوجات الزراعة والتنمية الحيوانية، 

ـ ثمار ومنتجات الغابات المتنوعة والبيئة البرية الخصبة،

ـ نشاط وسائل النقل إلى كل الاتجاهات...

اليوم كأن لم يكن شيئا من ذلك؛ بل تحولت المدينة إلى هيكل متهالك من القذارة، تجرف السيول أحياءها البائسة، وتغرق في الوحل عند أول مطر، لتتردى في مستنقعات التعفن والخراب...

أما النهر العظيم فيبكي، ويشكو ميلان مجراه واختلال الحياة وراء ضفتيه؛ حيث يهدد البوار والتصحر يمناه التي شلت وتقبضت، تلتهمها نبتة "التيفا" المنفردة هناك بالحياة...

بينما تتدثر يسراه بنضرة الحقول الممتدة، وتشرق بمياهه المنسابة مع القنوات والجداول التي تروي مزارع، يجد أهلها العناية ويحظون بالرعاية والوسائل الضرورية... في غبن مبين فرضه التفاوت الجذري في تسيير الدولتين!

(التيفا أو البوط، نبتة ضارة تحتل أجزاء كبيرة من الضفة الموريتانية أهلكت المزروعات والنباتات المفيدة وأثرت سلبا على طرف مجرى مياه النهر نفسه، بينما حولها السنغاليون على الضفة الأخرى إلى طاقة مفيدة: فحم وقودي!)

 

***

مرت عشرينية ولد الطائع على المدينة مر اللئام، فاستولت على ما حولها من أراضي شمامه الزراعية ومنحتها للمقربين والنافذين من التجار والوسطاء، ليعطلوها أو يؤجروها، والقلة هم من زرعوا تلك الأراضي واستثمروا فيها القروض والحوافز التي منحت لهم...

ثم جاءت عشرية عزيز لتجزي هؤلاء "المزارعين" المحتالين بإسقاط القروض الضخمة التي صرفها بعضهم بعيدا عن "شمامه" وعن الزراعة، وتعفيهم بـ"جرة لسان" من أداء المليارات التي سلمت لهم، قرضا حسنا، من الأموال العمومية...!

وكذلك أعفي من عاثوا فسادا في مؤسسات الدولة العاملة في الحقل الزراعي من تبعات فسادهم الذي ساهم في تفليس تلك المؤسسات الكبيرة الناجحة (سونمكس، صونادير...)!!

***

على صعيد التعليم لم تتحول "ثانوية روصو" العريقة، التي انطلق منها كبار الأطر الموريتانيين وأكثرهم كفاءة، إلى جامعة؛ بل لم تصن، وإنما أرتكست إلى مدرسة بائسة متهالكة مهجورة!

وعلى ذكر التعليم، انطلقت من عاصمة اترارزه أغرب عملية تمييز ثقافي سلبي (دعكم من التمييز السياسي!) حيث وضعت عراقيل رسمية خاصة بهذه الولاية تحد من نجاح أبنائها ـ دون سواهم ـ في مسابقة دخول الإعدادية (كونكور)!!

وعلى صعيد البنية التحتية، اختفت الطرق المعبدة أو الممهدة القليلة في "لگوارب"، بل أُخِذت بجريرتها طريق "انواكشوط روصو" الدولية القديمة التي استهلكت واندثرت. فأمضت كامل العشرية أثرا بعد عين، بسبب عرقلة السلطات العليا لوصلها وإصلاحها، رغم وجود تمويل أوروبي لها!

 

***

هذه هي "لگوارب" بوابة موريتانيا الجنوبية الواقعة قرب ملتقى البحرين، وهذا هو حالها اليوم، وهي تستقبل فخامة رئيس الجمهورية كما استقبلت أسلافه بحفاوة، واستدبروها جميعا بحفاوة مضادة!!

رد "أطر ووجهاء ومنتخبي اترارزه" هو اليوم كما كان على الدوام: مزيد من التصفيق والتأييد والتزلف والتملق للسلطة الحاكمة. ولسان حالهم يقول: سحقا لـ"روصو" وأهلها وتاريخها، فيكفيها إعمارا وازدهارا أن يزورها رئيس الجمهورية على حرف وعجل!!

 

م. محفوظ ولد أحمد

 

اثنين, 05/07/2021 - 16:13