العهد البائد!

تسلم العقيد الراحل المصطفى ولد محمد السالك رئيس اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني الأسبق؛ دور رئيس الدولة في العاشر من يوليو 1978 وتكلم الإعلام الرسمي حينها عن فساد "النظام البائد" وعن ما أسماه تبديد جهود الدولة والجيش في حرب الصحراء.
ودارت الأيام وتسلم العقيد معاوية ولد الطايع في 12 دجمبر 1984 مقاليد الحكم كرئيس للجنة العسكرية للخلاص الوطني، وكرئيس للجمهورية في 1992، وانهال الإعلام الرسمي وكذا تصريحات مسؤولي الدولة فجر 12/12 على نظام ولد هيداله تارة يصمونه بالقسوة وتارة بالعمالة ولم يغب الاتهام بالفساد عن القاموس.
غداة صعود المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية (أغسطس 2005) وصف قائده العقيد الراحل اعل ولد محمد فال منظومة الدولة بأنها بقالة ممتلئة الرفوف بالبضائع منتهية الصلاحية.
ثم انتخب الرئيس الجنرال محمد ولد عبد العزيز مرتين واتخذ من محاربة الفساد والفقر عنوانا وظل يصف كل معارضيه بالمفسدين الذين حال هو بينهم وبين الفساد.
في سنة 2021 وبعد سنة ونيف على انتخاب العضو الأسبق في المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، والمجلس الأعلى للدولة ووزير الدفاع الأسبق؛ الجنرال الأسبق محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا؛ اتهم البرلمان الموريتاني سلفه الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز بالفساد ووجه له القضاء الموريتاني تهما على ذلك الأساس.
ومابين ادعاء الحكام الجدد غداة العاشر يوليو وادعاء الحكام الجدد في أغسطس 2019 وأغسطس 2021 اثنتان وأربعون سنة؛ يجمعهما وصم السلف للخلف بالفساد رغم اختلاف السياقات وتفاصيل المشاهد؛ لكن الثابت هو أنه كلما جاءت أمة لعنت أختها.
وبغض النظر عن وجاهة الدعوى في كل الحالات أوبعضها من عدمه؛ آن للموريتانيين أن يتدبروا أمور دنياهم بأيديهم، فيضعوا العراقيل أمام شخص رئيس الدولة في استخدام نفوذه ووزنه الدستوري غير المبرر حتى يَفسُد أويُفسِد. وذلك بجعله يحرر أوامر مكتوبة لمجرد حلاقة شعره وتشكل لجنة برلمانية وقضائية وسياسية محلفة أمام المحكمة لمتابعة عمل رئيس الجمهورية بشكل يومي واستصدار قانون لتنظيم عمل الرئاسة.
فالظاهر أن رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية مادام في سدة الحكم هو أقوى إنسان في الجمهورية وما إن يسدل الستار على عهده يصبح أهون إنسان في الجمهورية.
لعل تحصين الرئاسة كمؤسسة من الاستبداد وحماية الرئيس من الأغلاط أشياء أنفى للشطط وتضمن حياة كريمة للرؤساء السابقين؛ الذين هم في الغالب مهمومون ببريق السلطة والقوة أثناء المأمورية وتحقيق أشياء مهمة، وطريق التشفي والسجن بعدها خطأ أو صوابا.
من هنا نستطيع أن نعالج كموريتانيين داء الديمقراطية المزمن، الذي هو التداول القيصري على السلطة وفوبيا العهد البائد.

إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا

اثنين, 09/08/2021 - 09:55