هل تأثير الشعر الموريتاني حقيقة أم أمنية؟!

وقفت على قول جريء لبعض الفضلاء: "إن الشعر الموريتاني هو الذي بعث في المشرق روح الإبداع الشعري وأعاد للقصيدة العربية رونقها وجمالها وقوتها..." الخ!

هل من اللازم الضروري أن يكون للشعر الموريتاني تأثير في الشعر والأدب العربيين، وخاصة في المشرق؟

دون التعرض لمستوى الشعر الموريتاني وهل هو محاكاة للشعر في المشرق، قديما وحديثا، أم هو قائم بذاته وإبداعه؟ فإن تأثيره في الخارج عموما معدومة وسائله وأسبابه:

أولا: الانتشار والتفاعل هما السبب الأول للتأثير والتأثر، ولا بد لهما من الاتصال والحضور;

ثانيا: أهم وسائل انتشار الإنتاج العلمي هو الكتابة والنسخ، قديما; والطباعة والنشر في عصر الطباعة. ولا ريب أن حظ المؤلفات والدواوين الشعرية الشنقيطية من كل ذلك ضئيل إلى درجة الندرة.

فعلى سبيل المثال كان أول جمع للشعر الموريتاني مطبوع كتاب "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" لأحمد بن الأمين (1872-1913غ) وقد نشر لأول مرة في القاهرة سنة 1911غ. ثم تلاه كتاب "شعراء موريتانيا القدماء والمحدثون" للبناني يوسف مقلد (1913-1965غ).

أما الاتصال والتفاعل فكان معدوما تقريبا بين أهل هذا القطر مع غيرهم؛ مقتصرا في جانبه المشرقي المقصود، على الحجاج ورحلاتهم.

وإذا كان أكثر وأشهر الشعراء الموريتانيين الحجاج هم من علماء الشريعة، فإن أقل الشعراء العرب الشرقيين هم من علماء الشريعة... وبالتالي فإن فرص التأثير والتفاعل بين الطرفين تكاد تنحصر في النخب العلمية المهتمة بعلوم الشريعة وما تعلق بها.

وحتى لو كان من بين أولئك النخبة شعراء، فإن اهتمامهم ومجال بحثهم مع ضيوفهم الشناقطة ليس الشعر والنقد وفنونهما، وإنما القرآن والحديث والفقه وعلومهما، والدعوة والتصوف...

وباستثناء العلامة محمد محمود بن التلاميد التركژي وأحمد بن الأمين العلوي القاهريين، لم تدون مراجع الأدب والفكر واللغة شيئا ذا بال خاصا بالشعر والأدب في بلاد شنقيط.

وقل الشيء ذاته في وجود المخطوطات الموريتانية عامة ولاسيما دواوين الشعر وقصائده، في المكتبات والخزانات المشرقية.

ولا نحتاج القول إن وجود النادر من كل أولئك لا يمكن أن نرجع له التأثير العام المزعوم.

وعلى عكس الشعر والكتابة الأدبية، أثر العلماء الموريتانيون في المشرق والمغرب تأثيرا باذخا متنوعا في مجالات العلوم الشرعية واللغوية والتصوفية والتاريخية...

فلمعت في سماوات الحجاز والعراق والشام ومصر والآستانة أسماء كثير من علماء بلاد شنقيط، وانتشرت علوم وروايات ومناظرات علمية كانوا فيها المجلين البارزين المؤثرين.

فاذكر منهم على وجه المثال فحسبُ: لمجيدري بن حبل، وابن فال الخير، والتندغي نزيل بغداد وعَمّان، وأبناء مايابا، وآب بن اخطور (اخترت أسماء الشهرة) وغيرهم جم غفير...

بل نجد للعلماء الموريتانيين تأثيرا معمىً أيضا حين تنتشر بعض مؤلفاتهم ويتلقفها المشارقة لذاتها دون لقاء أصحابها ولا معرفتهم.

ومثال هذا ما وقع للحجازيين والعراقيين مع منظومتي أحمد البدوي بن محمدا المجلسي (1745-1795غ)، في السيرة وأنساب العرب; فقد تداولوهما وشرحوهما ودرسوهما... دون معرفة مؤلفهما أحيانا!

فمن ذلك شرح مستفيض للعلامة العراقي محمود شكري الألوسي (1856-1923غ) على نظم عمود النسب، سماه: "شرح منظومة عمود النسب وأخبار أخيار سلف العرب من ذوي الحسب".

وهذا الكتاب الذي يقع في حوالي 1000 صفحة من خط مؤلفه، تحدث عنه كثير من العلماء والباحثين في العراق وخارجه. وقدمته مجلة "المنار"، ونشر عنه العالم اللغوي العراقي بهجت الأثري، وهو تلميذ الألوسي، مقالا مطولا تضمن مع الاستحسان والإعجاب مقاطع طويلة من نظم عمود النسب للبدوي، وذلك في مجلة المجمع العلمي العربي الصادرة بدمشق في رمضان 1341هـ/ ابريل 1923غ...

وهكذا يمكننا القول والتأكيد على التأثير الموريتاني العلمي في مجالات العلوم الشرعية وفروعها وروافدها في المشرق، ولكن القول بتأثير الشعر والأدب الموريتاني على الشعر والشعراء في المشرق يفتقر إلى السند والدليل والنماذج...

خميس, 01/09/2022 - 14:16