مونديال قطر، التّرفيه في مُواجهة العنصرية

قبل عقد ونيف من الآن، وتحديداً في الثاني من شهر ديسمبر عام 2010، استطاعت دولة قطر أن تكسب رهان الكبار حين تمكّنت، بفضل جهود الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، من الحصول على  استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم  في العام 2022، لم يكن هذا الحدث التاريخي ليمر بسهولة على أعين ومسامع بلدان  ظلت تعتبر أن لها أحقية مطلقة في تنظيم هذه البطولةالكونية على أراضيها .

اعتقد معظم المحللين الغربيين والمهتمين بكرة القدم عموماً أن  منح الــ FIFA  شرف تنظيم المونديال لدولة عربية، لا يعدو كونه حدثاً كرنفالياًعارضاً يندرج ضمن مجاملات غربية، مدفوعة الثمن، تُراهن على  العديد من الإكراهات المتعلقة بالمناخ وبالبنية التحتية التي ستجعل من تنظيم بطولة عالمية بهذا الحجم في دولة خليجية مثل قطر أمراً غير وارد البتّة؛ وقد عوًلأصحاب هذا الطرح كثيراً على عنصر الزمن، باعتباره القادر على كشف مَكْمَن الهشاشة بسهولة في دولة لا تتجاوز مساحتها 11521 كلم.

لقد أدرك القطريون حجم التحدي، إن لم تكن أحجام المغامرات التي خاضوها في سبيل تحقيق حُلم بدا للوهلة الأولى وربما الثالثة أقرب إلى المستحيل، وذلك نتيجة  لعوامل عديدة مركبة ومعقدة في -الآن ذاته- ولعل أبسطها استحضار ذاكرة جمعية محافظة مازالت تتحكم في معظم تفاصيل الحياة اليومية للسكان الأصليين لقطر. فضلاً عن الملفات المزعومةالمتعلقة بحقوق العمالة الوافدة التي استغلها الإعلام الغربي لتشويه صورة قطر في المحافل الدولية، بل إنها أصبحت النقطة المحورية التياستطاع هذا الإعلام أن يجمع فيها بين الابتزاز والاستغلال في أبشع صوّرهما.

بعد تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني  مقاليد السلطة في البلد اعتمد سياسة مرنة، ركزت على احتواء الشركات العملاقة الفاعلة في المجال وربط مصالحها الحيوية  بتنظيم المونديال في قطر، وذلك من خلال منحها صفقات مهمة  في البنية التحتية الرياضية في البلاد، وهكذا استطاعت قطرالتغلب على مشكلة التوقيت التي أرّقت اللجنة العليا للمشاريع والإرث، ففي سابقة من نوعها في تاريخ كأس العالم لكرة القدم يتم تأجيل الانطلاقةالرسمية لتكون في فصل الشتاء، وهوما يعني تغيير عادة عالمية، وروتين أدمنه عشاق الساحرة المستديرة  لأكثر من تسعين سنة ( من 1930 إلى 2022 ) .

بدا الاستعداد مبكرا لهذه العرس العالمي في كل تفاصيل الخريطة الحضرية  لقطر من مدينة الدوحة إلى امسيعيد ومن الوكرة إلى رأس لفان، مرورا بكلالمدن الأخرى والبلدات التي تحولت لمناطق ترفيهية جاذبة للسياح، حيث الملاعب المصممة بإتقان ووسائل النقل الحديثة، ناهيك عن المطاعم الفاخرة والمقاهي التي تتناغم مع مشاعر الجمهور الرياضي وأجواء المونديال، وفي إطار استعدادها الدؤوب لاحتضان هذه البطولة نظمت دولة قطر كأس تلفزيون ج،  للأطفال العرب دون سن الثانية عشرة في العام 2016 ، وفي الإطار ذاته تندرج كأس العرب التي فازت بلقبها الجزائر العام الماضي.

رغم كل هذا فقد باتت قطر هدفاً لحملة غربية مُغرضة لا تخلو من عنصرية واضحة المعالم، سواءً تعلق الأمر بكُتاب مشهورين أو بنجوم كرة قدم سابقين، وحتى بمنظمات المجتمع المدني في بلدان توصف ديمقراطيتها بالعتيدة، وسنركز في هذا الصدد على ثلاثة نماذج مختصرة يتعلق أو لهما بمقال للكاتب: David Aaronovitch  في صحيفة  The Sunday Thims الذيحمل عنوان : Why Qatar makes this football fan so uneasy  أو " لماذا نجعل من قطر مشجعة لكرة القدم، هذا أمر محزن للغاية"، مضيفا في نفس السياق المتحامل "... إن "السماح للحكام المستبدين باستضافة كأس العالم أمر خاطئ وتقديم النصائح للجماهير باحترام مضيفيهم تزيد من الحزن".

يعكس هذا المقال  تعبيراً مركزاً غارقاً في العنصرية، يبرز فيه بوضوح ذلك "الأنا" المتعالي الذي طالما  حاول التخفي وراء ستار وهمي من الثقافة والديمقراطية وحقوق الإنسان، أما ثانيهما فقد بدا جلياً في تصريحات مشاهير كرة القدم، على لسان اللاعب الفرنسي السابق والمدرب الشهير Eric Cantona في مقابلته مع صحيفة (ديلي ميل ) حين قال : " إن كأس العالم هذا العام هو كأس غير حقيقي بالنسبة له، و أن قطر ليست بلد كرة القدم".

في النموذج  الثالث تبدو منظمات المجتمع المدني أكثر تعصباً لنزعة عنصرية تشتغل خارج إطاري الزمان والمكان، وهو ما يظهر من تصريحات المبادرة التي أطلقت على نفسها اسم   ،قاطعوا قطر، التي ركزت في خطابها على أسلوب تحريضي مكشوف : " لقد تم تجاوز العديد من الوصايا الرياضية والإنصاف السياسي" .

المؤسف أن هذا الخطاب العنصري تجاوز كل حدود اللباقة والأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، وحتى حدود الصراحة المسموح بها في قواميس العلاقات الدولية، بعد التصريح الأخير لوزيرة الداخلية الألمانية (نانسي فيزر) " إن استضافة قطر للمونديال كانت بالنسبة للحكومة الألمانية صعبة للغاية"، هذه الصعوبة عبرت عنها فرنسا بأسلوب آخر تجلى في منع بث مباريات المونديال القطري في الشاشات الكبرى في الساحات العمومية في مدينة باريس .

هي إذن حملات عنصرية ممنهجة من قبل قوى دولية  لا تعترف بحق الآخر في صناعة الحدث مهما كانت طبيعته، تواجهها قطر  بأساليب راقية مستخدمة قوة الترفيه الناعمة، لتُثبت للعالم أن سعادة الجماهير الرياضية هي أفضل الوسائل لمواجهة الخطابات العنصرية القادمة من وراء أنهار التايمز والرون و الدانوب وغيرهم..

 

د. أمم ولد عبد الله

اثنين, 31/10/2022 - 12:13