التقارير السرية للسفارة الفرنسية فى نواكشوط (8)

سفارة فرنسا في موريتانيا

رقم 268/م.إ.م

نواكشوط، 12 سبتمبر 1973

جاك مبو، القائم بالأعمال

إلى معالي السيد جان سوفانيارغ وزير الشؤون الخارجية - مديرية الشؤون الإفريقية والملغاشية. باريس

 

الموضوع: موريتانيا وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب

 

لفتت بيانات صحفية حديثة من جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، الإنتباه مجددا حول منظمة لم يعد الحديث عنها يثير كثيرا منذ الإعلان عن تأسيسها ونشرها بيانات «الانتصار» في يوليو 1973. ولئن ظلت AFP الوكالة التي يبدو أن الجبهة تمنحها السبق في الحصول على معلوماتها، إلا أنه من الملاحظ أن مكتب هذه الأخيرة في نواكشوط لم يعد وجهة تلك المعلومات بل مكتبها في الجزائر العاصمة.و لا بخلو هذا التغير من مغزى فيما يتعلق بتطور موقف السلطات الموريتانية تجاه هذه الحركة التحررية.

 

تعود أولى مظاهر الدعم الموريتاني لمثل هذا النشاط إلى ما قبل إعلان تأسيس الجبهة، إذ تم في مارس 1973 صدور قرار عن اتحاد العمال الموريتانيين UTM يتضمن «دعمه للشعب الصحراوي الشقيق الخاضع للهيمنة الإسبانية في كفاحه العادل من أجل الحرية، (ويدين) بقوة محاولات حكومة مدريد إيقاع الشعب الصحراوي في شراك الحكم الذاتي الخالي من أي مضمون، بالنسبة لشعب تحت الهيمنة».

في الشهر الموالي، أشادت المركزية النقابية الموريتانية، المندمجة في الحزب، بـ«ميلاد الحركة المسماة طليعة الساقية الحمراء ووادي الذهب».

 

أخيرا، في يوليو 1973، سلمت جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في نواكشوط «بيانا عسكريا» بإعلان تأسيسها وانطلاق أولى عملياتها.

 

هذه المجموعة من الوقائع التي تم جمعها في 17 يونيو 1972 و 1973، مع مظاهرات مناهضة لإسبانيا، أدت لإجراءات حازمة من قبل قصر كروز، فشعرت حكومة نواكشوط بأنها قد تفقد صفتها كمحاور ذي مصداقية بالنسبة لمدريد، إن هي استمرت في التساهل أو حتى فى  دعم نشاطات أعضاء الجبهة.

 

في مرحلة أولى، حصلت سفارة إسبانيا على إبعاد 12 من ممثلي المنظمة من نواكشوط حيث كانوا يقيمون. لكن موريتانيا لم تتوقف، مع ذلك، عن منحهم بعض الدعم غير المعلن. وقد أصبحت الجبهة بعد إنشاء حركة Morhebo و «حركة 21 أغسطس» بمثابة الامتداد  الموريتاني للمنظمتين الخاضعتين لنفوذ الجزائر والرباط. 

وقد سمحت نواكشوط لمجموعات مسلحة  يتراوح عدد أفرادها بين 60 و 200 رجل بالتمركز في شمال البلاد. وتم الحفاظ على صلات معها عن طريق ضباط في الجيش الوطني وكذا عبر الأمين العام لاتحاد العمال الموريتانيين الشيخ ماء العينين روبير. غير أن سلطات نواكشوط؛ التي كانت تخشى وقوع اشتباكات مع القوات الإسبانية التي أعلنت نيتها استخدام حق المتابعة، عملت على التحكم في تلك المجموعات لتجنب قيامها بعمليات في الصحراء الغربية. وقبلت بالقيام بعمليات مشتركة للرقابة لكنها رفضت تلقي معدات إسبانية لهذا الغرض؛ رغم أعلانها عن الرغبة في تعزيز قدراتها العسكرية في شمال البلاد وقد  تكون لجأت في نهاية المطاف للمساعدة من الجزائر وربما من ليبيا..

أمام هذا الموقف الملتبس، يبدو أن جهود الممثلية الإسبانية استهدفت التأثير بشكل كاف على السلطات الموريتانية لكي تفهم أنها بهذا التصرف تخسر أكثر مما تكسب. وقد ساعد تطور سياسة مدريد نحو منح الاستقلال على المدى القصير كثيرا، دون شك، نظراءنا في عملهم وهم يتباهون اليوم بأنهم بلغوا هدفهم. فقد تم إبعاد المعسكر الرئيسي للجبهة الذي كان موجودا في منطقة عين بن علي ويرفرف عليه علم الحركة؛ حسب قولهم ولم يعد رجال الجبهة يحظون بأذن صاغية لدى السلطات.

 

وإذا كانوا قد تخوفوا، في وقت ما، من حصول هذه المنظمة على الدعم من لدن البعث العراقي ومن دول شيوعية؛ خاصة الصين الشعبية، فان ذلك بات متجاوزا البوم.

 

بعض المؤشرات تصب في اتجاه هذا الرأي. منها أولا المآخذ التي وجهت للحكومة من طرف الشباب خلال محاضرات مهرجان الشباب، على موقفها «المتعاون» مع إسبانيا. ويذهب البعض؛ وهذه ليست المرة الأولى، الى حد اتهامها بتسليم أعضاء من الجبهة للقوات الإسبانية.

 

ومنها، لاحقا، تسليم البيانات لمكتب وكالة الصحافة الفرنسية في الجزائر بعد أن كانت تبث قبل ذلك انطلاقا من نواكشوط. ومن شأن ذلك، بالفعل، أن يشكل تطورا للموقف الموريتاني تجاه نشاطات الحبهة، من الموافقة إلى المنع. ويمكن الإعلان عن التنفيذ الوشيك للحكم الذاتي في الصحراء هو ما دفع سلطات هذا البلد إلى أن تعتبر من غير المجدي استخدام وسيلة الضغط التي قد يشكلها وجود الجبهة.

وفي يونيو من هذا العام 1973 بث منبر قناة فرنسا الدولية CIF خبرا تتبنى فيه موريتانيا موقفا مؤداه أنها تعلق «آمالا مشروعة على المجموعات التي بدأت تظهر في هذا الإقليم بهدف إطلاق مسار التحرر».

 

ومن الوارد الاعتقاد، في هذه الظروف، أن حكومة نواكشوط يمكن أن تكون قد اتفقت مع جارتها في الجزائر على نقل الأنشطة الظاهرية للمنظمة لأراضي هذه الأخيرة. وبذلك تكون اثنتان من حركات تحرير الصحراء الثلاث قد خضعت بشكل مباشر لنفوذ الجزائر؛ ويمكنها من خلالهما ممارسة أكبر قدر من التأثير على مستقبل دولة صحراوية مستقلة.

 

أحد, 01/09/2019 - 19:04