هل مازالت للقصّة بقيّة؟

أثار تأخير برنامج "للقصة بقية" الذي تُقدمه الإعلامية الجزائرية فيروز الزياني على قناة الجزيرة، ضجةً في موريتانيا، وذلك بعد طرحه لسؤال جوهري، (ثروات موريتانيا من يمتلكها ؟) ظل عالقاً في ذهن  كل طفل موريتانيوصل مستوى السنة السادسة ابتدائية، فمعظم التلاميذ في هذه المرحلة وجدوا صعوبة بالغة في فهم التناقض الصارخ بين واقع مُعلميهم الاقتصادي وما يقدمونه من معلومات عن الثروات الهائلة في بلدهم، لدرجة أن البعض،وبمنطق طفولي، كان يرجع الأمر لقوى الجن الخارقة التي تسرق تلك الثروات في ظلمات الليل من أعماق البحار وباطن الأرض بعيدا عن أعين الرقيب.

المُخيب للآمال أن بقية القصة التي كان يُفترض أن تساهم في حل لغز عمره ستة عقود، أصحبت هي الأخرى لغزاً لا تبدو نهاية قصته واضحة على غرار ما سبقها من قصص فيروز، التي اعتاد المشاهد أن يرى بأم بعينيه بقيتها في وقته المحدد. فهل للأمر علاقة بالجن الذي يرى أطفال موريتانيا أنه يسكن ثرواتها؟ أم أن للموضوع علاقة مباشرة بظرف دولي وبفاعلين بعينهم؟.

لابد من التأكيد هنا على أن برنامج للقصة بقية ليس برنامجا استقصائيا، بمعنى أن معدوه لا يسعون لامتلاك أدلة قطعية تمكنهم من معرفة الطرق التي تُدار بها ثروات موريتانيا في الخفاء، فهو بهذا المنطق يصنف ضمن البرامج الحوارية التي تعتمد على عنصريْ التشويق والتحليل، لكن أهميته تكمن في ثلاثة عناصر أساسية  يتعلق أولها بإحراج السلطة الحاكمة في موريتانيا طبقا لما تمليه مصالح الممولين للقناة، أما ثانيهما فيمثله تنوير الرأي العالم العربي حول الثروات المتنوعة لبلد ارتبط عندهم بالفقر وبالشعر العربي الفصيح، وللبعد الثالث دلالته الخاصة بالنسبة لوسائل الإعلام، حيث إن معالجة موضوع بهذه الأهمية سيزيد من نسبة مشاهدة شبكة الجزيرة في موريتانيا، بعد أن تراجعت بشكل ملحوظ بعد انتهاء ما سُمي بالربيع العربي.

ولا شك أن الطريقة التي تم بها تأجيل البرنامج كانت غريبة في أسلوبها وزمنها، فقد اعتادت قناة الجزيرة خلال عقدين من الزمن على الترويج للبرامج الجاهزة واحترام توقيت بثها، بغض النظر عن الإكراهات الطارئة، لكن حين تعتذر مقدمة للقصة بقية قبل يومين فقط من بث برنامج روجت له طوال الأسبوع، فذلك يعني أن القصة تغير أبطالها وشخوصها وربما أصبحت أحداثها خارج زمن لا يعرف للقصص بقية.  

كانت السطور التي اعتذرت فيها الزياني عن بث برنامجها في وقته على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بإذكاء موهبة السرد الفطرية لدى ساكنة يعشعش الخيال في كل تفاصيل معاناتها، فمن تلك اللحظة بدأت قصص مختلفة تروي بطرقها الخاصة الأسباب وراء تأخير لم يكن في الحسبان، ورغم كون المقدمة أرفقت صورة لها تثبت إصابتها بكسر قي القدم، إلا أن ذلك لم يستطع إقناع غالبية تمسكت بنظرية المؤامرة لمعرفة بقية قصة مازالت في طور التأليف.

لقد أصبح موضوع التأجيل قصة شيقة، أثارت فضولا جمع بين النكات والتحليل، وأثرت فيه عوامل متعددة، تتحكم في نظر البعض في السياق الزمني لبقية القصة اللغز،  حيث يرى أصحاب هذا الطرح أن الحكومة الموريتانية استعملت دبلوماسية غير تقليدية ( العلاقات العامة النفوذ الروحي...) للحيلولة دون بث برنامج من شانه أن يكشف أوراقا مهمة في وقت حساس يحاكم فيه رئيس سابق بتهمة الفساد. في حين يرى آخرون أن الضغط الذي مارسته فرنسا على قطر كان السبب في كسر رجل مقدمة البرنامج التي ظهرت بحسبهم في مشهد ادرامي أخرج القصة عن سياقها الحقيقي، خصوصا وأن الفرنسيين لهم دور تاريخي في تبديد ثروات موريتانيا، جعلهم يحرصون على الانفراد بتلك الثروات بصمت، تماما كحرصهم على إبعاد الدب الروسي الذي صار مصدر قلق لأصحاب الإليزيه بعد أن اخترق مصايدهم التقليدية في القارة السمراء.

مابين تأثير عوامل متعددة تمتزج فيها الأسطورة بالحقيقة، وتشكل السياسة بوصلة أحداثها، ضاعت بقية قصة أثارت اهتمام كل الموريتانيين، فقد كان  تنكر نهاية تلك القصة  لمشاعر المشاهدين كفيلا  بجعلهم يصنفونها ضمن القصص المعروفة شعبيا بالقصص التي لا أبا لها وهذا يعني  بالحسانية أن فيروز الزياني " فَرْخْتْ لٍمْرٍدًّة"، وحتى لو أعيد بثها من جديد، بعد موجة التشكيك، فإن المشاهد سيظل يُعيد طرح السؤال ذاته هل مازال فعلا لقصص الزياني على قناة الجزيرة بقية تستحق المشاهدة؟...

 

د. أمم ولد عبد الله

اثنين, 30/01/2023 - 21:46