الثورة العربية الكبرى!

بعض أصدقائي القوميين المحترمين لم يخفوا أمانيهم بسقوط الرئيس التركي أردوغان ونجاح خصمه كليجدار في الانتخابات التركية.

ودون ترغيب ولا دفاع عن أردغان كنت أقول لهم: هذا موقف غريب وغير معقول، من عدة وجوه:

أولا: هذا موقف يتماهي ويتحد تقريبا مع موقف "إسرائيل" والدول الأوروبية الغربية التي لم يستطع إعلامها الواسع إخفاء عدائه لأردغان وتحيزه الصريح لأي طرف أو وسيلة تسهم في إسقاطه من رئاسة تركيا، ولم يخف المرارة والاستياء من نجاحهّ.

ثانيا: هذا موقف يذكرنا بالموقف المشؤوم الذي اتخذه زعماء الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين من الحجاز سنة 1916 وانتشرت إلى العراق والشام، وكان مهندسها هو الإنجليزي: السير مكماهون، وهدفها الأكبر القضاء على دولة الخلافة العثمانية (التي كانت حليفة ألمانيا ضد التحالف الغربي في الحرب العالمية الأولى) مقابل الوعد بإقامة دولة عربية موحدة مستقلة.

وفعلا تمكن الانجليز وحلفاؤهم في الثورة العربية من القضاء على الدولة العثمانية.

ولكنهم بدلا من الوعد المخلوف بدولة عربية مستقلة، وعدوا، وأنجزوا الوعد  بدولة يهودية تحتل أرض فلسطين المقدسة وما جاورها من أرض العرب!

كانت النتائج الفورية المشؤومة للثورة العربية الكبرى بالإضافة إلى تحقيق هدف الحلفاء الأسمى وهو القضاء على الدولة العثمانية، ما يلي:

* القضاء على حكم زعيمها الشريف حسين وطرده وأبنائه من الحجاز والعراق... (لاحقا اختلقوا لهم كيانا تجزيئيا في الأردن).

** إحلال الاستعمار الغربي الصليبي المقتسم محل "الاستعمار" العثماني المسلم الموحِّد.

*** إقامة دولة الكيان الصهيـ..وني واحتلال فلسطـ..ين وتقتيـ..ـل وتهجير الفلسطينيـ..ين...

**** ردة فعل تركية سيئة من تحت أنقاض الدولة العثمانية، بقيام دولة تركية قومية علمانية مستغرِبة معادية للعرب والعربية والإسلام... بقيادة كمال أتاتورك...

مع هذا كان الأتراك المتدينون - وهم غالبية الشعب التركي - ولا يزالون يحبون العرب ويقدسونهم باعتبارهم أهل الإسلام ولغته.

 

اليوم ما ينبغي أن يهمنا من تركيا هو مواقف قادتها وأنظمتها.

ولا ريب أن السيد أردغان بنزعته الإسلامية استطاع كسر جدار العلمانية الذي ظلت الأنظمة التركية قبله تحصنه وترفعه، فرجع معظم الأتراك إلى التدين العلني وباتوا يقدرون مكانة العرب والمسلمين.

طبعا ليس أردوغان مثاليا بالنسبة لنا؛ فهو قبل كل شيء تركي ينشد مصالح بلده, وهو معترف - رغم تدينه - بقومية الدولة التركية وبرسمية علمانيتها وهواها الأوروبي وعلاقاتها بكيان الاحتلال...

لكن لا مقارنة بين أردوغان وحزبه الحاكم، وبين منافسيه والأحزاب العلمانية الأتاتوركية التي تناصب العرب والمسلمين العداء وتنادي بطرد اللاجئين منهم من أرضها فورا.

وهناك بالإضافة إلى ذلك، خاصة بالنسبة لأهل اليسار منا، موقف أردوغان المتميز من روسيا وقوة علاقاته أو تحالفه مع القيادة الروسية، وذلك من الأسباب الثانوية لعداء الغرب الصارخ له!

 

ولأن موقف الاخوة القوميين من هذه الانتخابات وتمنيهم عودة نظام أشد عداء لهم! لا يقوم على أسس معقولة، فإن أهم وأصدق ما حاجج به أكثرهم هو العداوة الشديدة بين أردوغان وبشار الأسد، وإيوائه ودعمه للمعارضة السورية، المحظور وجودها أصلا!!

ولهذا قلت لهؤلاء: أنتم محقون; لأن بشار الأسد فاز في انتخاباته الرئاسية الأخيرة بنسبة تجاوزت 95% مع أنه لا يحتاجها أصلا لأنه ورث الرئاسة عن أبيه مباشرة، بينما بالكاد استطاع أردوغان - المتدرج من رئيس بلدية - تجاوز نسبة ال50% في شوط الإعادة بعد إخفاقه في الشوط الأول!! 

عظم الله أجركم!

م. محفوظ أحمد

ثلاثاء, 30/05/2023 - 20:45