من تاريخ الكادحين: صيحة المظلوم والشيخ والحمار والمريد (الحلقة 5)

عطفا على  الحديث السابق عن صيحة المظلوم وبدايات صدورها ومحرريها وفرقة المهمات الخاصة الدائرة فى فلكها، أعود لذكريات تلك  الايام  الخوالى   حين كنا نعيش تجربة جديدةً حيث نقوم بالطباعة والنشر.  فى  ظروف معقدة. ففى ليلة من ليالى 1971 دخلنا غرفةً صغيرة بابها ضيقُ، فراشها قليل زهيد ، تتوسط ارضيتها آلة طباعة قديمة بجانبها بعض صفائح "استنسيل" الخاصة بالسحب المستعملة قِدْماً، جلس صديقي يسلم ابن عبدم شفاه الله  أمام آلة الطباعة ، حركها نفض عنها الغبار وادخل فيها صفيحة ثم بدأ يكتب واُمٍلِي عليه. كان مبتدئا ً بما فى الكلمة من معنى! لا يفقه شيئاً فى فنّ الطباعة ، يٓنْقُرُ على آلته ببطءٍ شديد وبأصبع واحد! لا يمتلك

سوى عزيمة أقطعُ من السيف . وليلاّ يُسْمعٓ صوت الآلة من الجيران ومن المارة فى الشارع أحضرنا مذياعاً وضعنا صوته على الدرجة العليا، ولما تأخر الليل وقل العابرون فى الشارع دخل علينا الشاعر أحمدو عبد القادر، وكانت مهمته الطواف حول البيت يُراقب المارة ويضمن أمن الساهرين بداخله، سلم وقال همساً : توقفوا قليلا، أجبناه خيراً إن شاء الله ، أشار الى المذياع حٓوّلوهُ الى "صوت أمريكا إنجليزي "  ضجيجهم وصراخهم أفضل غطاءً ، يزمجرون مثل العفريت "باهوش" المُتٓيمِ بحب العربية وسماع الاذان والقرءان الكريم وقد وردت  قصته فى حلقة سابقة.وما أن قمنا بالمطلوب حتى تحسن الوضع وارتاح "الشاعر الحارس " وابتسمٓ ،ثم واصل المراقبة والدوران حولنا. ولما اكتملت عملية الطباعة بعد جهدٍ جهيد وعناءٍ كبير، تحولنا فى الليلة الموالية ألى أمر آخر يُزاحمُ صعوبةً سابقه. انتقلنا الى فرقة المهمات الخاصة  التي  تولت التكثير والنقل ،عتادها آلة سحبٍ قديمة وحمارٌ لحمل البضاعة المحظورة. تتكون الفرقة من ثلاثة فتية يتميزون  برباطة الجأش والشجاعة .

بعد  إتمام السحب وإتقانه،  قُربٓ الحمار من طرود صيحة المظلوم استعداداً لرحلة عبر الأزقة والشوارع لتصل الى غرفة التصفيف ، كان الوقت فجراً فى مُنْطلقِ الرحلة ، صلينا الصبح  تضرعنا الى العزيز الجبار ان يقينا بطش البوليس والجواسيس ومن على شاكلتهم من مليشيات حزب الشعب.

جرى تحميل الحمار ووضع اللمسات الاخيرة على ديكور تمويه الحمولة واكتمل ارتداء الأزياء الخاصة بالأفراد حيث ارتدى أحدهم  فضفاضةً ووضع عمامةً على رأسه وحمل تسبيحاً طويلا فى يده وأخذ يُديرُه استغفاراً فصار شيخاً جليلاً مهيبا

تهوى اليه الأفئدة ، أخذ " شيخُنا زمام الدابة ، انقادت له بيُسْرٍ وسهولة وبدأ تلاوة القرءان جهراً ، يتبعه  مرافقه فى صورة مريدٍ بحمل عصاهُ يهشٌ بها على حماره.

كنتْ أتقدمهم بمسافة تسمح بمتابعة المستجدات والتدخل عند الحاجة. تقلص الفارق بيننا عند تقاطع الطرق غير بعيد من قيادة أركان الحرس. ومرت سيارة للبليس توقف الحمار برهة فقال "الشيخ" لصاحبه بهدوء أعصاب عجيب ألم أقل لك ان حمارنا ذكي يعرف قانون المرور، ويدرك ان الأولوية لليمين لذا ترك سيارة الشرطة تمر وبعدها تابعنا الرحلة الى المكان المنشود.

      بقلم /  بدن عابدين

خميس, 04/02/2021 - 21:38