التقطير المميت في خرجات الرئيس السابق!

لدى الباحثين عن الجديد في الخرجات الإعلامية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وخصومه بالخصوص معضلة كبيرة هي أنهم يحددون له ذلك الجديد الذي يبحثون عنه، مصادر ممتلكاته، وما لم يفصح عن تلك المصادر فلا جديد فيما يقوله رغم أنه في كل خرجة من خرجاته جديد، ولعل أسوأ جديد سمعوه في مؤتمره الصحفي الأخير قوله إنه لا إلى السنغال ذاهبا ولا إلى مالي ولا المغرب ولا الجزائر ولا فرنسا ولا أي بلد آخر، وأنه باق في بلد وسيظل واقفا مهما حاولوا ومهما صادروا ومهما خصصوا وأنفقوا من ميزانيات على الصحافة والمدونين والسياسيين لكسره وثنيه وتشويه سمعته، وهو ـ  لعمري ـ جِدُ جديد بعد أن اعتقدوا أنهم بذلك أفلحوا في تركيعه!

جديد أيضا حديثه عما آل إليه عمل ما يسمى لجنة التحقيق البرلمانية بعد أزيد من سنة من التحقيقات وفتح الملفات واكتتاب الخبراء وحملات التشهير والتشويه والتسريب، ثم الإحالة للقضاء والاستدعاءات والاستجوابات على أساس عمل هذه اللجنة، ليتم في النهاية رمي كل ملفات وتحقيقات اللجنة جانبا في ما يشبه " تفلت لعم " والتركيز بدلا عنها على ممتلكات الرئيس التي لم تكن هي الهدف من تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية أصلا حسب اللجنة نفسها، وخلو ما تم الإفراج عنه حتى الآن من تهم النيابة المُفترض أنها منبثقة عن ملفات تحقيق اللجنة من أي شيء يتعلق بالتحقيق وملفاته ونتائجه، والإصرار على حجز بقيتها إمعانا في انتهاك صريح القانون، ما يفسر عجزا آخر عن وجود أدلة ضد الرجل في ما تبقى من الملف.

لا يحدد خصوم الرجل له الجديد الذي يجب عليه أن يزودهم به فحسب، بل يحددون له أيضا الطريقة التي ينبغي أن يتم بها ذلك، فلا يجوز له الحديث أو تنظيم مؤتمر صحفي إلا إذا كان سيفصح لهم فيه عن مصادر ممتلكاته، متناسين أن مكان ذلك ليس بالضرورة الخرجات الإعلامية ولا التصريح للصحفيين وإنما القضاء، وإلا لكان تصريحه الماضي بممتلكاته هو وغيره من رؤساء الجمهورية وكبار المسؤولين  يتم من خلال مؤتمر صحفي وليس أمام المحمكة العليا..! وللرئيس السابق كامل الحق في الصمت وعدم التجاوب مع القضاء طبقا للمادة الدستورية التي تمنع مساءلته، ولكنه رغم ذلك تعهد في مؤتمره الصحفي الأخير بأنه في الوقت المناسب سيفصح عن كل شيء بما في ذلك مصادر ممتلكاته، وأن من سينكسون رؤوسهم هم ألئك الذين يصرون على أن تلك الممتلكات أموالا عمومية.

أما قبل ذلك الوقت المناسب الذي حدده الرئيس السابق، فليس أمام هؤلاء سوي الخضوع لما  يتعمده في خرجاته الإعلامية منذ بدء أزمة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، أو من أجل" المرجعية "، حيث يتعمد استراتيجية اللعب على أعصاب الخصوم بالتقطير البارع للمعلومات المتعلقة بملفه القضائي ومصادر ممتلكاته خصوصا، بغية إخضاعهم لعذاب الفضول والتمادي في سوء الظن، وإرهاق الإنتظار والإشرئباب لما يريح أعصابهم من معلومات وتفاصيل في كل خرجة إعلامية له، فخلال أول مؤتمر صحفي له بعد عودته من خارج البلاد صرح بأن لديه المال، وأنه من مصادر شرعية وليست به أوقية واحدة ولا دولار ولا أورو من موارد الدولة الموريتانية، ك " قطرة " أولى تاركا الخصوم يلعقونها، يُنظرون ويُنجمون ويتشبعون سوء ظن.

وفي مؤتمره الصحفي الثاني قال أيضا إن لديه المال وكرر أنه ليس من موارد الدولة والشعب، وليست به أية شبهات وأضاف معلومة أو" قطرة " ثانية، فحتى لا يترك لمن يريد أن يلتمس له " مخرجا " ويقول لعل مصادر ممتلكاته من راتبه كرئيس، حتى لا يترك له الفرصة لذلك قال، وبدون أن يكون رادا على سؤال بهذا الخصوص، إنه لم يسحب أوقية واحدة من راتبه طيلة فترته رئيسا..! واللبيب، ودعونا من الغبي، من الإشارة يفهم أن من يدرك أنه مُتابع ومستهدف وخاضع لتهم في مصادر ممتلكاته ومع  ذلك يجلس ويقول إن لديه المال ويصر على أن ليست به شبهات، وليس له علاقة كذلك براتبه، فإنه بداهة واضع قدميه على صخرة راسية من الثقة والبراءة إذا كان القانون هو الفيصل.. وبهذه المعلومة أو " القطرة " المُضافة ترك الرجل خصومه أيضا يُنجمون ويُنظرون ويتفنون، خصوصا أنه زودهم هذه المرة ب ( طيصه ) جديدة ينشغلون بها لفترة، آآآآآه! الرجل يقول لكم إن لديه المال وأنه من مصادر شرعية حتى أنه ليست فيه أوقية واحدة من راتبه!

ليأتي في مؤتمره الصحفي الأخير ويقول ويكرر أن لديه المال، وأن مصادره شرعية، ويضيف " القطرة " الثالثة بأنه خدم في الجيش لثلاثين سنة وسيَّر إحدى كتائبه لفترة طويلة ولم " تدخل " عليه أوقية واحدة من أموال وموارد الجيش، حتى خلال السنوات التي أطلق عليها الإسم المناسب لها ( سنوات البطش ) التي كان كل شيء فيها لك ولأخيك وللذيب بدون حساب ولا عقاب، بما في ذلك موارد الجيش الذي لم يكن هنالك ما يمكن أن يُطلق عليه إسم جيش منه سوى تلك الكتيبة التي تولى هو قيادتها وإدارتها، وعليه فليست مصادر ممتلكاته أيضا من مخصصات الجيش، وليترك خصومه بذلك أيضا يُنجمون ويتفنون في ما تبقى من مراحل هذا التلفيق والإستهداف، وفي انتظار " القطرة " الرابعة التي لا ندري متى ستكون كان الله في عون الأعصاب..!

انتظروا أيضا من المؤتمر الصحفي للرئيس ولد عبد العزيز الهزة التي وعدهم بها رئيس هيئة دفاعه الأستاذ محمدُ ولد إشدو عندما يتكلم موكله، والتي تهكموا عليها وحاولوا خبثا استغلالها مثلما اختلقوا واستغلوا قبلها فرية محاولة الرئيس السابق لعملية انقلاب خلال بداية أزمة الحزب، متجاهلين أن الرئيس ولد عبد العزيز لم يغادر السلطة إلا بعد أن سطَّر الإنقلابات في الدستور كجريمة لا تسقط بالتقادم، ومتغافلين كذلك أنهم والدولة عملوا ويعملون ما بوسعهم، وما ليس بوسعهم، للعثور على جريمة يلصقونها بالرجل في الوقت الذي لديهم " محاولة انقلاب " يُجرمها الدستور، فلماذا إذن يطاردون الطيور في الجو ويتركون تلك التي في أيديهم! لماذا يُلفقون التهم للرئيس ولد عبد العزيز ويُكيفون الإجراءات الجنائية، ويلجأون لمسخرة " التيدرة " من أجل تجريمه وتخوينه ولديهم جريمة متكاملة الأركان ضده متمثلة في محاولة انقلاب؟!

لا تستعجلوا ما وعدكم به الأستاذ، ولكن اتركوه في سياقه الذي قاله فيه في مقابلة تلفزيونية حين قال ردا على سؤال لماذا لا يتكلم الرئيس؟ فرد أنه عندما يتكلم سيهتز الكثير في موريتانيا.. لكن عندما يقرر الكلام أمام القضاء وليس الكلام مع أفراد أسرته أو أصدقائه، أو في مقابلة مع صحيفة، أو خلال مؤتمر صحفي يعقده، ويُعقل أن من هو بعمر 64 سنة نصفها في قلب الدولة ودوائرها، ونصف ذلك النصف واقفا ( عند اكتاف ) صاحب القرار الأول في البلاد، أفشل انقلابا فوضويا داميا، وقاد انقلابين بكل هدوء، وأشرف عل مرحلتين انتقاليتين، ثم قاد بلدا لإحدى عشرة سنة خبر خلالها ما لم يَخبره في ما مضى من مسيرته المهنية عن الدولة ومفاصلها و" أعصابها " وأروقتها وأسرارها وكواليسها، ونخب مدنييها وعسكرييها، وساستها ووجهائها وقبائلها وجِهاتها.. ومع ذلك يخرج من كل هذا ( إيديه اطرايكّ ) مما يُمكنه من نثر وفضح ما يتمنى البعض لو بقي طي الكتمان من ماضيه ودسائسه.. حتى ولو كان أهبل أحرى أن يكون مخططا وداهية ظل خصوصه الذين يلقبونه ب " الأرعن " يحفرون له الخنادق السياسية فيتخطاها بخطوة واحدة، ويحفر لهم بدوره الخنادق فيسقطون فيها كما تسقط الفراشات في النار، يسقطون فيها ويقولون فعلها بنا الأرعن، أأرعن!!!

ذلكم هو الإهتزاز المقصود، ويبقى فقط ما إذا كان الرجل راغبا في الإقدام عليه أم سيترفع عنه ويكتفي بما هزه استهدافه من أشياء كثيرة في البلد حتى قبل أن يتكلم، حيث اهتزت بل استوت بالأرض أخلاق ومبادئ ومواقف وشعارات النخب موالاة ومعارضة، واهتزت ديمقراطية البلد باستخدام وتجييش وسائل الدولة لمنع شخص من ممارسة حقوقه السياسية، واهتز الرصيد والمكسب المعتبر للبلد من الحريات بتجنيد وسائل الإعلام والصحافة لأغراض الإستهداف السياسي، ومضايقة الإعلاميين وتعليق عمل الأحزاب، واهتزت التعددية بإجماع وتهدئة كاذبين قائمين على الإنتقام ومقايضة المبادئ والشعارات بالمنافع والإمتيازات، واهتز القضاء وفصل السلطات بالانتهاكات المُجمع على تعسفها.. أما غير ذلك مما تخشونه من هز أو اهتزاز فاطمئنوا، فالرجل يستقبل زواره ومناصريه ويودعهم بالحث على الحفاظ على أمن البلد واستقراره وصيانة ، وترك أمر ملفه القضائي، أو السياسي، له.

نعم، في اليوم والمكان المناسبين سيفصح الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن كل شي بما في ذلك مصادر ممتلكاته، وكما قال هو فمن سيطأطئون رؤوسهم وكأن عليها الطير هم من تمادوا في سوء الظن به وبنزاهته، أنا على يقين من ذلك وموعدكم يوم الزينة ذاك، يوم يتضح كل شيء ويوم تلقَّف الحقائق ما تأفكون.

وكما قال لي الرجل بعظمة لسانه في لقاء لي معه قبل أيام هو أول لقاء لي به على الإطلاق، لن أتخلى عن بلدي ومصالحه، ولن آخذ الشعب الموريتاني بتصرفات ولا بجريمة نخبته متعارضة المصالح والإهتمامات مع مصالحه وتطلعاته..

محمدو ولد البخاري عابدين                             

اثنين, 03/05/2021 - 11:15