أزمة جديدة: هل تتم مراجعة صفقة التموين بالمحروقات؟

خلال الساعات الأولى من صبيحة اليوم الخميس تجمعت عشرات السيارات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود في مدينة نواكشوط، بحثا عن وقود المازوت (كزوال) ولم تمضي سوى ساعات قليلة وأغلقت جميع المحطات لنفاد مخزوناتها من الوقود، وكما بقيت جميع المحطات مغلقة يومي الجمعة والسبت دون ظهور بوادر على الانتهاء الأزمة اليوم الأحد.
السلطات الرسمية نفت وجود أزمة في التموين بالمحروقات وأعادت الأمر إلى مشاكل فنية حالت دون رسو الباخرة التي تحمل المواد البترولية في الميناء، بسبب اضطراب حالة البحر، وأن الأزمة عابرة ولن تطول، فيما يرجعه بعض المراقبين إلى التطور الأخير في قضية صفقة تموين المحروقات التي هي موضع خلاف بين شركات النفطية المحلية ووزارة المياه والطاقة، حيث أمر الوزير هذه الشركات بتوقيع على عقد التموين والملحق الاضافي الذي هو موضع خلاف مع شركة ترافيغيرا، على أن تتم مناقشة تحفظات الموزعين المحليين بشأن شروط العقد والملحق الاضافي، وتخاف الشركات المحلية من أن الوزير بعد توقيعهم على العقد سيتنصل من وعده بمراجعة الاتفاق والملحق المضاف إليه بعد التوقيع.

وحسب بعض الفاعلين في قطاع المحروقات فإن الأزمة الراهنة قد تكون من تدبير أطراف مستفيدين من توقيع الاتفاق مع ترافيغيرا، وبالتالي ربما أرادوا من وراء خلق أزمة في المحروقات الضغط على السلطات في اتجاه تسريع العمل باتفاق ترافيغيرا رغم اعتراض الموزعين المحليين، ورغم ما قد ينجم عنه من ارتفاع في الأسعار ومشاكل في التخزين والتوزيع ونشير إلى نفاد مادة البنزين منذ اسبوع في جميع محطات العاصمة، والسيارات التي تستهلك البنزين الأن متوفقة عن الحركة.

الاتفاق والمحلق الاضافي مع الشركة اثار ضجة كبيرة الشهر الماضي (راجع القلم 248) فالدولة لم تجدد عقد التموين بالمحروقات مع شركة "كالاكسي" الذي انتهى به العمل منذ 15 ينار الماضي، ونظمت الدولة مناقصة دولية لاختيار شركة تحل محل كالاكسي، وبالفعل منحت الصفقة لشركة  ترافيغيرا المدعومة من قبل شركة نفطية محلية ومن رجل أعمال ووسيط له اتصالات مع جهات عليا، غير أنه بعد اعطاء الصفقة لهذه الشركة تقدمت بملحق شروط اضافي لم يكن في ملفها الذي قدمت المناقصة، ووافق الوزير على الشروط الجديدة لـ ترافيغيرا وهو ما رفضته الشركات المحلية. وبالتالي فإن العقد لم يصادق عليه حتى الأن من قبل "أطلس" و "سنيم" و "توتال" ووافقت عليه "استار" و "نفتك" و "صوملك" غير أنه لا بد من توقيع من جميع تلك الشركات حتى يصبح الاتفاق ساري المفعول. 

من أوصل الأمور لهذا الحد!
عند اعلان عروض المناقصة في سبتمبر الماضي شاركت فيها أربع شركات هيّ: "أوريكس" ، كالاكسي" ، "فيتول" ، " ترافيغيرا" وفازت الأخيرة بعقد التموين وتم توقيعه بتاريخ 23 نوفمبر 2003 على أن يبدأ سريانه بتاريخ 15 يناير 2004 وخلال هذه الفترة على الشركة أن توفر مخزونا احتياطيا بمقدار 27 ألف طن وأن تقدم ضمانا بنكيا بالوفاء التام قيمته 5 ملايين دولار، وبعد عشرة أيام فقط على توقيع الاتفاق تقدمت ترافيغيرا باقتراح ملحق اضافي تضمن نقاط كثيرة، سارع وزير المياه والطاقة الجديد إلى قبوله، وهي نقاط تمثل تعديلاً جوهريا في اجراءات الاستيراد، ولا تراعي مصالح المشتري الموريتاني، وهذه التعديلات تتمحور حول:

تعديل شروط التوزيع:

 بما يعني أن ملكية البضاعة والمسؤولية عنها تتنقل إلى المشتري بمجرد إنزالها من السفينة ( كان دفتر الالتزامات يفرض على المورد تخزين البضاعة على مسؤوليته وتسليمها إلى المشتري في حاويات حسب برمجة شرائها وهكذا كانت المسؤولية ونسبة الضياع في البضاعة يتحملها المورد حتى حين يتسلمها) وهذا ما حدا بشركتين من تجمع الشركات النفطية المحلية إلى توجيه رسالة عنيفة إلى رئيس اللجنة الوطنية للمحروقات.

ونظرا لتهالك معدات "سومير" فإن الضياع الحاصل في البضاعة قد يتجاوز بكثير النسبة المحسوبة للضياع في تركيبة السعر، دون أن نذكر طبعا احتمال الضياع الكامل في ما إذا حصلت مشكلة كبيرة أو كارثة، وتكشف الشركتان عن خلل في هذه الوضعية بالقول أن اتفاق ترافيغيرا ينص على أن "الزبون الذي أصبح عليه أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن البضاعة ليس في استطاعته الحصول عليها إلا بعد أن يستلم ضمانا لتسديدها"، وهكذا يعد ممنوعا من الحصول على البضاعة فقط بل عليه أيضاً تحمل المسؤولية عنها.

أساس تحديد السعر: 

اقترحت ترافيغيرا أن يكون تحديد السعر على أساس معدل خمسة عروض يتم اعدادها في حدود تاريخ شحن البضاعة، ويتم التحديد النهائي بتاريخ يوم الشحن وليس يوم تسليم البضاعة في حاويات في مدينة نواذيبو، كما كان يجري العمل به حتى الأن، إلا أن الشركات تفرض هذا المقترح لأن الفترة الزمنية التي تمر بين تاريخ الشحن وتاريخ التسليم (من يومين إلى شهرين) يمكن أن تحدث خلالها تغييرات كبيرة في سوق المحروقات "فتاريخيا ثبت أن تغيرا في حدود مائة دولار قد يجري في سعر الطن الواحد، وهكذا يمكن أن تصبح نفس المادة أرخص من مائة دولار يوم تسليمها مقارنة بتاريخ شحنها. 
صيغة تكلفة الشحن:

يتضمن اقتراح صيغة الشحن الذي تقدمت به ترافيغيرا في الدفتر الملحق إمكانية أن تكون الشركة هي من يحدد تسعره الشحن في تركيبة تكلفة الاستيراد، ويمكنها بالتالي التأثير عليه، ومن ثم رفع سقف تكلفة الشحن.

التنازل عن المخزون الاحتياطي:

 في الوقت الذي قبلت فيه شركة ترافيغيرا أن توفر مخزونا احتياطيا قدره 27 ألف طن كما ينص على ذلك نص العقد، قامت فجأة بتغيير موقفها واقترحت على الزبناء الموريتانيين شراء هذا المخزون الاحتياطي كل ستة أشهر وذلك على أساس تسعرة الشحن، وهو ما يعني حسب شركات توزيع المحروقات المحلية تكلفة اضافية لأن الزبناء سوف يشترون بأسعار كانت معتمدة قبل ستة أشهر من الشراء وستكون أعلى من واقع السوق المحلي. 

وكخلاصة، لفتت الشركتان نظر رئيس لجنة المحروقات في رسالتهما الاحتجاجية إلى خطورة القبول اقتراح ترافيغيرا لأنه يخفف من التزاماتها ، فلم يعد يعنيها تحمل مسؤولية التخزين كما أنها تخلصت من بعض مسؤولية المخزون الاحتياطي، وأًصبحت لديها تركيبة أفضل في السعر، أضف إلى ذلك أنه ينقص من حماية المستهلك.

 كما تطرحان كذلك مشكلة الدفتر الالتزامي نفسه، لأن "دفترا اضافيا يجب تقدميه إلى المنافسين قبل 10 أيام من تاريخ إيداع العروض" (المادة 12 من ملف عرض المناقصة) وبالتالي فإن هذا الدفتر الاضافي لم يعد مقبولاً ويجب أن يتم اعلان عرض جديد للمناقصة على أسس جديدة، فهل سيكون هذا العرض الجديد عرضا بديلا؟ حسب المادة 27 التي تتناول موضوع العروض البديلة المقبولة، هي العروض التي تتناول أليات التسديد، ولا يمكن قبول أي عرض يؤدي إلى زيادة في السعر التي يسببها تطبيق هذا الدفتر، فالشركة سوف تجني سنويا 11 مليون دولار على حساب المستهلك الموريتاني.

هكذا تبدو الوضعية متأزمة حاليا، وسيكون قريبا على الدولة أن تنفق من مخزونها الاحتياطي، أو أن تشتري مباشرة من السوق الدولي، وحتى أن البعض اقترح على الوزير الأول أن يتزود المشترون مباشرة من السوق الدولي دون المرور بوسطاء، إلا القرار لم يتخذ بعد في الموضوع حتى الأن، والتساؤل هو لماذا قدمت ترافيغيرا للمناقصة وبكامل ارادتها، عرضا بأقل الأسعار؟ فهل لأنها حصلت على ضمانات بأن الصفقة ستكون من نصيبها والعقد حسب شروطها؟ وما يثير الريبة هو العجلة في قيام الوزير ورئيس اللجنة الوطنية للصفقات بتعديل بنود العقد والاضرار ببلدهم ومواطنيهم لصالح شركة أجنبية.

إن ملحق الالتزامات الاضافي يحمل الشركات المحلية مخاطر عدة تتعلق باستلام المواد النفطية وتخزينها في نواذيبو، والسؤال المطروح الأن هو لماذا تم تعديل الاتفاق في حين أن ترافيغيرا سبق أن وافقت عليه كما هو؟ وإذا كانت الشركة قد شكت من أن الصفقة غير مجدية كما كانت تعتقد، فلماذا لم تلبى لها كل مطالبها؟ ألم يكن من الحكمة بالنسبة للبلد إعلان مناقصة جديدة؟ ففي رسالة متعلقة بالموضوع، انتقدت شركة نفطية محلية ذلك الاجراء قائلة بأن "تعديل الاتفاقية يمس من مصداقية البلد وينضاف إلى مشاكل مصفاة نواذيبو خصوصا أنه في الفترة التي يجري فيها العمل على اصلاح الادارة، فيجب اتخذا اجراءات صارمة ضد معدي العقد. 

الأثر السلبي الأخير لهذا الملحق المضاف إلى العقد هو أن فاتورة الطاقة سترتفع على الأقل بثلاثة مليارات أوقية، والشركات النفطية (العاملة محليا) ستتأثر بهذأ العقد وستكون مرغمة على تعويض نفقاتها الجديدة من جيوب المستهلكين وأمام انخفاض الأوقية مقابل الدولار فإن خطر ارتفاع اسعار المحروقات قائم، بالتالي فإن معناة ملاك السيارات الفقراء لم تنتهي بعد، وستتفاقم، وكل هذا بسبب تصرفات غير مسؤولية لوزير لا يكترث كثيراً بمصالح بلده ومواطنيه. 

المصدر: القلم، العدد258، بتاريخ 01 مارس، 2004.

سبت, 19/03/2022 - 20:07