من فوائد ظهريات المخطوطات

من نادر ما يطالعه القارئ للمخطوطات، حضور بعض التراجم النادرة على ظهرياتها، حيث يسجل بعض النساخ تراجم لمؤلفي الكتب التي يقرؤونها، وقد وقفت على بعض منها في مكتباتنا بمدينة شنقيط العامرة، ومكتبات تيشيتالخالدة، ولاحظت أن بها معلومات لا تعرف عن مؤلفيها، ومثال ذلك هذه الترجمة للعلامة الكبير الإمام السهيلي، فأردت أن أثبتها هنا لندرتها، بل وإفادة الباحثين في تراث هذا العالم الكبير، لا بل أكثر من ذلك، إذ تفيدنا في معرفة نوادر المخطوطات في مكتبات شنقيط، مثل مكتبة آل حبت بن الإمام المحتفظة بهذه النسخة الفريدة من المؤلف الرائع عن سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ولا أريد أن أطيل على القارئ، فهذه الترجمة كما كتبها صاحبها على تلك الظهرية، وهو بطبيعة الحال غير معروف، كما هو الشأن في كثير من نساخالظهريات، إلا أنه يعد مطالعا وملما بسيرة السهيلي رحمه الله، وإلا لما أفادنا بتلك المعلومات التي لم يسجلها أحد قبله، ولم تظهر في كتب التراجم التي عرفت به. يقول الناسخ: " هو الإمام ولي الله تعالى، الجامع بين الفقه، والحديث، واللغة، والنحو، ومعرفة الأصلين، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي ، ثم السهيلي الإقليم. تفقه بقرية سهيل، قرب مدينة مالقة. قال القاضي ابن خلكان" سميت بسهيل، لأن النجم المعروف بسهيل لا يظهر إلا من جبل بقربها. ثم انتقل بعد منها إلى عدوة فاس، واشتغل فيها بالقراءة على الحافظ أبي بكر بن العربي، قال أبو بكر بن الزبير في تكملة الصلة بعد أن ذكر له من الأوصاف ما ينبئ عن عظم شأنه. أخذ قراءة القرآن بالسبع عن الشيخ أبي بكر محمد بن طاهر الإشبيلي، عن أبي علي الغساني عن أبي عمر بن عبد البر النمري، محدث المغرب. قال وله تواليف من جملتها شرحه لكتاب سيبويه غير أنه لم يكمله.ومذهبه في النحو مشهور، غير أنه كثيرا ما ينحو إلى مذهب الكوفيين. ومن جملة تواليفه تأليفا سماه أبكار الأفكار، جمع فيه مسائل من كل علم. وألفتفسيرا فيه أوقع في أول سورة النساء من الفرائض. وله جزء في شرح سبحان الله العظيم وبحمده. وله جزء آخر في شرح قول النبي صلى عليه السلام: "المومن يأكل في معي واحد" الحديث. وله جزء في علم التفسير سماه: كتاب الإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام. وله تأليفه هذا الموسوم بالروض الأنف، ولو لم يكن له إلا هو لكان فيه له من الأجر ما يستحق به سكنا أعلى الجنان. قال بعض العلماء كاد أن يبلغ به حد الإعجاز. وما ألف في الإسلام أجمع منه لسائر العلوم بحيث لم يخلو من علم، وكيف لا ومؤلفه قصد به وجه خالقه مع ما تضمنه من الإفصاح عن قدر حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى بالمعنى. ثم استوطن رحمه الله مدينة مراكش مدة وبها توفي رحمه الله عام إحدى وثمانين وخمسمئة، ودفن بخارج باب الرُّب. وقبره مشهور هنالك. وكان رحمه الله مكفوفا في آخر عمره.

رحم الله السهيلي، فقد أجاد وأمتع في كتابه هذا والموسوم بالروض الأنف، ورحم الله من أحضره إلى مكتبة آل حبت لينظر فيه المتعطشون إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

             

خميس, 18/01/2024 - 21:24