
أعادت التصريحات الأخيرة للمبعوث الأممي دي مستورا، والمواقف الأمريكية والفرنسية والإسبانية، نزاع الصحراء الغربية الي الواجهة الإعلامية مجددا، ورغم تباين مواقف طرفي النزاع المباشرين، المغرب وجبهة البوليساريو، من المبادرات المطروحة، إلا أن الملف بصدد ديناميكية جديدة مع إعلان واشنطن الرمي بثقلها لإيجاد حل للنزاع يرضي جميع الأطراف، وتكليف ترامب لمستشاره لشؤون الشرق الأوسط، مسعد بولس، بزيارة المنطقة ولقاء الأطراف المعنية لتحريك المياه الراكدة في اتجاه التسوية الدبلوماسية.
ولاستكشاف مواقف النخبة الصحراوية بمختلف اتجاهاتها من المبادرات المطروحة، حاورت "أقلام" هذا الأسبوع الكاتبة والمثقفة الصحراوية التي تعيش في مخيمات اللاجئين الصحراويين بالصحراء الغربية، السيدة لهبيلة محمد صالح "اسودّح".
أقلام: كيف ترين الموقف الحالي في النزاع بالصحراء الغربية ، خاصة مع تباين رؤيتين للتسوية: تقرير مصير الشعب الصحراوي مقابل الحكم الذاتي المقترح من المغرب، المدعوم من دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا؟
لهبيلة محمد صالح "اسودّح": هذا نزاع عمّر طويلا لكنه لا محالة منتهٍ، ببساطة لأن دروس التاريخ لم تخرج أبدا على سردية أن الحق عائد لأصحابه .. كما أن مبدأ تقرير المصير مما لم نعد نملك حرية التخلي عنه و إن أراد بعضنا!
ذلك أن قوافل من الشهداء و آلاف الجرحى و الأيتام والأرامل وخمسون سنة من اللجوء هي حمولة ثقيلة من الحق لا يمكن تجاهلها الآن خاصة.
بالنسبة لدعم فرنسا و الولايات المتحدة و إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي، فليس يعدوا دعمهم لمصالحهم هم في المغرب، و لا نستبعد أن يتحوَّلوا في أي لحظة عن هذا الدعم الى دعم نقيضه تماما!
و حتى إن لم تتغير مواقف هذه الدول فليس لدى الشعب الصحراوي ما يخسره في إطالة أمد هذا النزاع أكثر من حريته التي خسرها بالفعل.
و لنا في أهل غزة عبرٌ و عِظات، فلو استسلموا لأن قوى العالم العظمى تكالبت عليهم و خذلهم القريب و البعيد لفعلنا.
نعم تختلف الظروف لكن لا يختلف المبدأ.
بالمقابل يخسر المغرب الكثير جرّاء هذا الوضع المضطرب و الحرب المكتومة.
فهشاشة الواقع الاجتماعي والسياسي المغربي خاصة مع دعمه للكيان الصهيوني بعد أن كان العكس هو الصحيح، أضف الى ذلك الحرب مع جبهة البوليساريو، هذه أمور تسبب للمغرب إنهاكا ماديا و معنويا، مهما تكتم عليها.
أقلام: بصفتك مثقفة صحراوية، كيف تنظرين إلى مقترح الحكم الذاتي كفرصة لإنهاء المعاناة التي يعيشها سكان مخيمات اللاجئين الصحراويين؟ هل ترين أنه يمكن يلبي الحد الادني من طموح الصحراويين؟
لهبيلة محمد صالح "اسودّح": أولا ..ككثير من أبناء الشعب الصحراوي لا أرى في مقترح الحكم الذاتي فرصة لإنهاء معاناة الشعب الصحراوي حتى أجيب عن كيفية ذلك!
نحن نراه فخا في الحقيقة لا فرصة.
و إن كانت هناك أصوات يئست من الوضع و باتت تجد في هذا المقترح حلا، و لو على سبيل الحركة و كسر الجمود -وهذا الشعور مُبرّرٌ طبعا و قد شعر بعضنا في وقت من الأوقات أنه الحل الأكثر واقعية ربما- لكن الواقع أن الحكم الذاتي قد يكلف الشعب الصحراوي أكثر مما يكلفه هذا "الجمود".
ثم أن واقعيته الظاهرة ينسفها أن لا ضمانات تدل على أنه قد يوفر للصحراويين العيش الكريم ناهيك عن الحرية والكرامة التي هي مطلب أول و أساسي له، إذ كيف يجدها والشعب المغربي الحر "زعموا" لا يكاد يتنفس فرد منه إلا خارج المغرب بشهادة كثير منهم؟
و ليست ظروفه المادية بأفضل حال أيضا !
الشعب الصحراوي شعب بدوي حر ومتمرد بطبعه ولا يصلح للتدجين، فتحسين الظروف المعيشية و السكن وغيرها من ظروف العيش، مما قد يغري بعض الشعوب لأن الحياة والمعاش بمفهوم تلك الشعوب أمران سِيّان.
وليست هذه الحاجات دون حرية التصرف والسيادة الكاملة مما يغري الشعب الصحراوي أبدا إن سلّمنا أن الحكم الذاتي يضمنها!!
فثورته ليست ثورة جياع بل ثورة أحرار، و كفاحه كان لأجل الكرامة ورفع الظلم لا لأجل الخبز و هو قادر على التكيف مع جميع الظروف.
أقلام: على ماذا تراهن جبهة البوليساريو فى تمسكها بحق تقرير المصير، ما هي أوراق الضغط التي تمكنها من كسر حالة الجمود الحالية في المفاوضات؟
لهبيلة محمد صالح "اسودّح": جبهة البوليساريو و الشعب الصحراوي ككل يراهن على على الله أولا و أخيرا، و له في التاريخ كما سبق و أشرت عظات، فأيامه لم تشذ أبدا عن قاعدة أن الظلم الى زوال.
ثم على المقاومة الشعبية و إرادة التحرير و الانتفاضة ثانيا، سواء في مخيمات اللاجئين أو في المناطق المحتلة.
وعلى الحق غير القابل للتصرّف في تقرير المصير عبر استفتاء عادل تُقره و تدعمه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ثالثا
وعلى دعم الحلفاء الذي نتوقّع أن تزداد وتيرته و نوعيته في قادم الأيام، رابعا.
لأن لا مصلحة لتلك الدول في ذوبان الحدود بينها وبين المغرب وازدياد خطورة التدخل الأجنبي كنتيجة لذلك، فالمغرب ليس إلا حديقة خلفية لبعض الدول الكبرى والكيانات الدخيلة.
و على التغيرات السياسية وتحول الزعامة العالمية، خامسا.
ثم اضطراب الواقع الاقتصادي و الاجتماعي داخل المغرب الذي قد ينفجر في أي لحظة، سادسا.
بالإضافة لتراجع شعبية الخطاب الروحي الساذج، فلم تعد للملكية تلك القدسية الروحية (ليس هذا زمن رؤية الأشخاص في القمر).
و قد رُفعت بالفعل أصوات من هنا وهناك تفضح تلك الممارسات المهينة للمغاربة تحت مظلة الدين والنسب "الشريف" .
وربما تتراجع كنتيجة لذلك، الرغبة في التضحية وخوض حروب مكلفة لأبناء الشعب لحساب حياة ورفاهية سكان القصر..
ليس هذا رهان بل هو سبب من الأسباب التي قد تدفع باتجاه حلحلة الوضع .
أقلام: تعرف مناطق المخيمات الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو منذ بعض الوقت حراكا سياسيا واجتماعيا.. هل سببه ننامي الشعور بالإحباط لدى الصحراويين نتيجة غياب تسوية واضحة في الأفق لنزاع عمّـر طويلا؟
لهبيلة محمد صالح "اسودّح": نعم ثمة حالة من اليأس والإحباط تجاه الوضع الراهن خاصة في أوساط الشباب، وراءها مجموعة من الأسباب أهمها كما أشرت في سؤالك، طول مدة النزاع وحالة الجمود التي بدأت منذ وقف إطلاق النار سنة 1991 حتى استئنافه سنة 2020.
إستئنافٌ لا يشعر بعض الصحراويين ربما بجدوائيته، و قد دخل سلاح الدرون على خط المواجهة.
بالإضافة لسياسة التكتم على نتائج الحرب التي يعتمدها المغرب مما يفاقم الشعور بالعبثية.
أيضا الشعور بعدم تكافئ القوى.
كذلك التغيرات التي طرأت على المجتمع الصحراوي نفسه منذ بداية الألفية الثانية تقريبا: مجتمع في طور النمو الديموغرافي والاجتماعي، منفتح على الآخر وله متطلبات اجتماعية واقتصادية ناشئة، تقف حالة اللجوء دون تلبية أغلبها.
والشعور بعدم الانتماء وفقدان الهوية وما ينجم عنه من صراعات نفسية و اجتماعية و انعكاس ذلك على الروح المعنوية.
هذه الأسباب و غيرها خلقت حالة من الغضب الجمعي والاحتقان، لكنها رغم ذلك تعزز الحقد على المحتل أكثر مما يتوقع المغاربة أنها تفعل في داخل المجتمع الصحراوي.
فهناك إجماع على الالتفاف حول المصلحة الوطنية.
وحول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي..يتأكد هذا الالتفاف أكثر كلما نكص بعض أبناء هذا الشعب ورأوا بأعينهم كيف هي الحياة في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية والمغرب وكيف يعيش الناس هناك.
أقلام: ما هي الرسالة التي ترغبين في إيصالها إلى المجتمع الدولي حول هذه القضية؟
لهبيلة محمد صالح "اسودّح": لا أوجه رسالة للمجتمع الدولي، لأن لا رسالة أبلغ من مشاهدة شعب ينكّل به صباح مساء منذ أكثر من سنتين على مرأى و مسمع من العالم أجمع ولا أحد رغم ذلك يُحرّك ساكنا!
هذا ونصرة القضية الفلسطينية محل إجماع العالم العربي و الإسلامي برُمّته، و قد حظيت من التغطية الإعلامية بما لم تحظ القضية الصحراوية بربعه، فكيف والقضية الصحراوية ليست محل اتفاق لا عربي ولا عالمي وهي محاصرة وتعاني تعتيما إعلاميا متعمدا؟
بل رسالتي لأبناء الشعب الصحراوي المكافح الصبور المؤمن.
أيها الشعب الصحراوي العظيم:
1- لم تكن القوة العسكرية يوما إلا سببا من أسباب كثيرة للنصر نملك أغلبها.
2- ليست قرارات مجلس الإنس ولا الجن مما سيؤثر على مستقبلنا إلا بقرار حقيقي وخطوة عملية منا نحن أولا.
3- المجتمع الصحراوي يحتاج جميع أفراده وليس فيه حجر صغير على أهميته، بل جميعنا حجارة عظيمة، فلا مكان بيننا إذن للدونية والانتقاص على أي أساس كان.
فليحمل كل منا أداته وليشرع في بناء ركنه من مشروعنا الوطني.
4- معالجة الأمراض الداخلية أحرى أن تساهم في ربح معركتنا المصيرية فتنبّهوا.. لأن الله لا يُغير ما بقومٍ...
5-ضرورة إدارة الغضب الشعبي وحالة الاحتقان وتوجيهه الى حيث يجب أن يكون.. باحتوائه أولا ومحاولة استثماره حتى لا يُستَغل من جهات أخرى.
6- يوجد الكثير من الضجيج يتعذّر معه سماع مكان العطل في محرّك الجسم الوطني، الحل يكمن في تجاهله ومحاولة التركيز لإيجاد ذلك الأنين الصادق ومداواته.
7- مجتمعنا شاب و فيه الكثير من القدرات، فلنتصرّف انطلاقا من هناك.
أشكركم مجددا.
حاورها: ابراهيم احمود