يونيو 2297/ حبيب ولد محفوظ.

في هذا المساء من شهر يونيو 2297م لم يكن الطقس حاراً. إذ كانت درجة الحرارة في حدود 90 درجة مئوية، وهي التي كانوا يقولون عنها منذ ثلاثة قرون أنها قريبة من درجة غليان الماء. والمشكلة ليست مطروحة لحسن الحظ، فالماء لم يعد موجودا بكل بساطة، فآخر قطرات من بحيرة "اترارزة" تم الحصول عليها بملعقة صغيرة، وعرضت لفترة من الزمن في المتحف الوطني، وبعد أشهر قام سكان الحي "أ" المجاور للمتحف باقتحامه واختطاف الملعقة واقتسام جرعة الماء بإنصاف وبحضور بعثة مراقبين من الاتحاد الأوروبي.

وتم رفع القضية إلى مجلس الأمن وأعطى فيها الحق لسكان الحي "أ" على حساب الحكومة الموريتانية، فالرئيسة الموريتانية آنذاك كانت تستمد شرعيتها من كون جدها العاشر المدعو "صو آبو" كان وزيراً في حكومة معاوية الأول، وكانت حزينة جداً  على فقدان تلك القطرات والملعقة لأنها كانت تريد استعمالها يوم احتفالها بزفاف ضعيف الإحتمال. المهم أن مجلس الأمن كان إلى جانب سكان الحي "أ".
وعلى كل فقطرات الماء كانت قد استقرت في بطون سكان الحي ولم يكونوا ينوون الذهاب إلى دورات المياه قبل مجيئ شحنة من مسحوق الماء القادم من المريخ.
وبما أنه "رب ضارة نافعة" فقد توقفت آنذاك (أي سنة 2110) مجاري الصرف الصحي عن إرسال فائضها في الشارع المقابل لثانوية البنات و"إنتان" المنطقة بروائحها، وهو ما سمح بالحفاظ على ثقب الأوزون، ففي تلك الفترة كانت ماتزال هناك ثقوب في الأوزون، أما الأن (أي 2297) فلم تعد هناك ثقوب لأنه ببساطة لم يعد هناك أوزون وإنما حلت محله  سحب ننوية وأنواع كثيرة من الاشعاعات السامة والأدخنة والأغبرة المؤذية والضارة لأن سكان الأرض البالغين 30 مليارا أصبحوا يعيشون فقط على غذاء من اللوبيا البيضاء التي تنتج أبشع "الهيروشيميات" المعوية، وإذا كان الأوزون قد اختفى واختفت ثقوبه فإن الشمس أيضاً بدأت في الإختفاء.
فلم تعد تطلع يوم الأحد وتم إعلانه "يوم بلا شمس" ثم أخذت في الغروب في منتصف نهار السبت، ثم أنها أخذت في الإختفاء يوم الجمعة بحجة أنه يوم عطلة، وفي سنة 2250 لم تعد تطلع سوى ليوم أو يومين في الشهر، ولم يعد أحد يهتم بها فقد أصبحت شاحبة ومحمرة وقرمزية، أما القمر المسكين فقد مات في الشيخوخة، ولم يبكيه إلا بعض العشاق أو الذئاب الرمادية التي كانت تعوي في ضوئه عندما تجوع.

بعد أحوال الطقس عودة إلى المجال القبلي الموريتاني، لكن قبل ذلك لمحة عن الوضعية الدولية:

في الشمال الإفريقي هناك المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السنيغال، مالي، النيجر، اتشاد، والسودان، وفي الجنوب هناك جنوب افريقيا، وبين هاتين المنطقتين لاشيء. فالناس الذين كانوا يعيشون هناك هلكوا جميعا بسبب الحروب الأهلية، والاسهال، والانقلابات، والتمرد والكوليرا، والسيدا و "الايبولا" والإنتخابات السابقة لأوانها، وانهيار سعر الكاكاو، وانهيار سعر البترول، والمؤتمرات الوطنية وأخر من بقي منها مواطن من "الهوتو" تم إطلاق النار عليه من طرف جندي من "سيراليون" يحتضر بسبب حمى الايبولا التقطها عندما كان يحاول نهب دكان في "بانغي".
البلدان في أوروبا لا تزال هي نفسها تقريباً إلا أن العدد الإجمالي لسكان القارة لم يعد تجاوز الثلاثة إلى الأربعة ألاف مواطن وكلهم قد تجاوزا المائة وعشرة من العمر. لم تكن هناك حروب، إنما الشيب والهرم هما اللذان ذهبا بسكان القارة، فدولها تختفي بهدوء من الخريطة وسكانها يموتون بصمت بعد أن يسدلوا ستائر أبوابهم ونوافذهم.
في آسيا: فقدت هذه القارة ثلي مساحتها بسبب طغيان مياه المحيط، أما سكان هذين الثلثين من الهنود والصين واليابانيون فإنهم لم يموتوا كما قد تتصورون، وإنما يعيشون اليوم في مياه المحيط، وصار بالإمكان اصطيادهم في الفترة ما بين 1 و 25 أكتوبر من كل سنة لتوفر الغذاء للأسماك التي تم إعلانها أنواعا محمية منذ القرن الواحد والعشرين.
 أما استراليا فقد عرقت حادثة فريدة. إذ أنه في بداية القرن الثاني والعشرين، قرر سكانها الإقتراب من أمريكا، وجندوا لهذا الغرض آلاف الشاحنات، وتم سحب القارة مسافة 5000 كيلومتر حتى قبالة سواحل كاليفورنيا. وبعد ذلك بقليل انفتح شرخ (سانت أدرياس) وابتلع القارة، وبعدها لم نلتق أي مكالمة من جهة استراليا، وحزن العالم جميعا على "الكنغارو" الجميل الذي كان يعيش فيها.
أما أمريكا فقد كانت في نهاية هذا القرن الثالث والعشرين مصدر قلق حقيقي للسياسيين في العالم، لأن كندا فُقدت منذ سنين بسبب البرد، والمكسيكيون كذلك هربوا كما يبدو لأنه لم يعثر لهم على أثر حيث كانوا يعيشون، أما الأمريكون الجنوبيون فقد تحولوا في حادث مؤسف إلى زواحف، ولم يبق إلا الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تعد متحدة هذه الفترة، فقد شبت حرب ضروس بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب الأمريكي، وكانت هذه الحروب في البداية نووية، إلا أن القنابل التي كان يعتقد أنها نووية لم تكن في الواقع سوى قنابل "عطاسية" والولايات المتبقية هي ولايات "يومنغ، أوتاه، دلاوار وكوبا" (كوبا التحقت بالإتحاد منذ 2054) أما سفارة الولايات المتحدة في انواكشوط فقد تحولت إلى سفارة ولاية "دلاوار".

أصبحت موريتانيا القوة الأولى في العالم منذ 2260 وقمنا بالتدخل عدة مرات في أمريكا لتهدئة الأوضاع، وخاصة عندما تكون مصالحنا مهددة، وأصبحت قواعدنا العسكرية منتشرة في كافة التراب الأمريكي لمواجهة كافة الإحتمالات، كما قمنا بإصلاح عطل لازم محطة "نازا" منذ أمد -في كاب كنفرال- وذلك لإرسال مكوك فضائي يحمل وحدة كوماندوز لمنع إنقلاب عسكري يتم تدبيره في المريخ مما يغضب بعض أفراد الحكومة، وليس ذلك طبعا بسبب الخوف على المساس بحقوق المريخيين وإنما التخوف من نهب المتاجر التي يملك أغلبها موريتانيون من بينهم أفراد الحكومة، وبالفعل تمكن الكماندوز المكون من أفراد الكتيبة 100 من الحرس الوطني من إعادة الأوضاع إلى نصابها وتم تعويض الموريتانيين عن خسائرهم من قبل السلطات المحلية، إلا أن المشكلة كانت أن الدولار المريخي لم يكن متبادلا بعد على الأرض.
وعودة إلى لأرض حيث موريتانيا مقبلة على استحقاق انتخابي كبير هو الإنتخابات الرئاسية، إذ أنه خلال القرون الثلاثة الماضية أجريت في موريتانيا ستة انتخابات رئاسية، وكان قانون الإقتراع ينص على أنه يحق التصويت فقط للأشخاص الذين تترواح أعمارهم ما بين 47 و52  سنة وهو ما يطرح مشاكل جمة، إلا أن الإدارة كانت تحل تلك المشاكل بإصدار أوراق مدنية مزورة تحت الطلب (طلب خطي وطابع من فئة 50 أوقية)، وأول هذه الإنتخابات كانت 1992 كما يقول المؤرخون، وفاز فيها معاوية الأول، وفي سنة 1997 انتخب معاوية الثاني، وفي سنة 2050 معاوية الثالث، وفي 2200 معاوية السادس، كما نشير إلى فترة قصيرة لرئاسة سيدة من أحفاد المسمى "صو أبو دمبا" كانت رئيسة أثناء ما يعرف بـ "أحداث الماء" وذلك قبل أن تتزوج وتستقيل، إلا أن هذه السيدة لم تكن منتخبة إلا أن معاوية الثالث أوكل إليها مهمة تسيير موريتانيا ريثما يقوم بجولة رسمية تستغرق خمسين سنة، يزور خلالها كواكب "المشتري" و "زحل" و "نبتون" و "بلوتون" من أجل تعبئة اللجان الفرعية للحزب الجمهوري هناك، كل هذا يجعلنا ندرك أهمية هذا الإستحقاق الإنتخابي بالنسبة لموريتانيا وهو ما يجعل من القبائل التي أصبحت لها أسماء مثل (أولاد PRDS، أولاد AC، أولاد UFD) ترجع إلى عاداتها القديمة في التناحر وأحياء صراعات قديمة يرجع المؤرخون بدايتها إلى حوالي 1991.

كما أن الوضعية العامة في البلد ماتزال كما كانت منذ ثلاثة قرون، فـ "اسنيم" (الشركة الموريتانية للصناعة والمعادن) ماتزال موجودة إلّا أن مخزون الحديد الذي كانت تستغله أصبح ترابا، ومشكلة الكزرة مازالت كما هي، بل تم تصديرها، حيث ظهرت بعض الخيام وبيوت الصفيح في ساحة "كونكورد" في باريس، ذلك أنّ سياحا موريتانيين رأوا أنه لا يعقل أن تكون ساحة في هذا المكان المناسب وتبقى غير مستغلة.
و"صونادير" ما تزال تحاول تدريب المزارعين على طرق الزراعة التي تسميها بالحديثة.. وكالة تحصيل الديون المصرفية ماتزال تتابع زبناء ما كان يعرف بـ "بنك التنمية" منذ ثلاثة القرون.
والتلفزة الوطنية ما تزال وفية لمهمتها التاريخية في رعاية روح الخنوع وإيقاد شعلة النفاق، هذا النفاق الذي تفننت في صناعته وتطويره وأصبحت تنتج منه ما تحتاج إليه من أبواب (مفتوحة) ونوافذ (على المجتمع) و أوراق (صحية) وأصبحت التلفزة الوطنية و (الحق يقال) هي الأكثر جمهورا في العالم في نهاية هذا القرن الثالث والعشرين، لأن الدول الأخرى لم تعد لديها تلفزات إنما تطورت إلى وسائل غيرها.. كان على إدارة التلفزة سيد شجاع وله بطن لا بأس به يدعى (فاتو) ينحدر من سلالة أحد مقدمي نشرات الأخبار التلفزيونية في القرن العشرين. وقد اعترف لنا السيد "فاتو" بأنه يلجأ في بعض الأحيان إلى إعادة بث بعض النشرات التلفزيونية  المسجلة منذ ثلاثة قرون بسبب نقص الوسائل، ويضيف أنه لم يتلق أي احتجاج لأن مشاهدي التلفزة (وعددهم إثنان أو ثلاثة على الأكثر) لا يميزون بين النشرات الأمس ونشرات اليوم.
أما "صونلك"، شركة المياه والكهرباء، وهي أخر الشركات الوطنية في الكون المعروف حالياً فما زالت تهتم بالكهرباء، ولأن الماء لم يعد موجوداً، فقد أصبحت تهتم باللبن، وأخر الأنهار المتبقية أصبحت لبنا، وحتى البحيرات الكبرى التي كانت دماً لعدة قرون أصبحت من اللبن.
وهناك أشياء أخرى لم تتغير في موريتانيا مثل شركة "سونمكس" و "المادة 11" من قانون الصحافة ومدير ديوان رئيس الجمهورية، وفيدرالي الحزب الجمهوري في ولاية اترارزة، وفوضى المرور في انواكشوط وموظفي كتابة الدولة الملكفة بشؤون المرأة، و (لوحة) ترويج كلواز غرب سوق العاصمة.

وباختصار، ليس هناك تغير كبير في البلد منذ ثلاثة قرون سوى أن الشمس تطلع كل شهر، والقمر المسكين مات، والمريخ تم استيطانه، واختفت بعض القارات، هذا صحيح، لكن لا شيء يمكن أن يحول دون نجاح الحزب الجمهوري في الإنتخابات الرئاسية المقرر إجرائها في 12 دجمبر 2297.

* حبيب ولد محفوظ، يونيو 2997، موريتانيد.

ترجمة: عبد الرحمن عبد الله، القلم، عدد 209، بتاريخ 15 ابريل 2002.

جمعة, 12/02/2021 - 23:35