أفيقوا يا أبناء القبائل ؟! 

أخطر ما في الأنظمة العسكرية "القلبية" التي توالت على حكم البلد أنها قسمت الشعب إلي شعبين لا يجمعهم إلا رقعة الوطن  ! 

شعب تنتمي إليه اغلب النخب  يملك السلطة والجاه والمال والأرض ويحتكر الوظائف وينهب المال العام ويسيطر على الإعلام و بوجه الرأي العام وله الأولوية في كل شيء ….وابناؤه هم  من يقرر سياسات البلد وطريقة الحكم فيه وحتى نمط العيش فيه و هم  من يحدد  الوطني والخائن ومن العدو والصديق ومن المؤمن والفاجر ومن الشيطان والملاك ……………. أي أنهم  مواطنون  من الدرجة الأولى فوق كل الشبهات!

 

شعب  ٱخر يشكل لوحة البؤس والشقاء في البلد يعيش على الهامش نصيبه الظلم والحرمان والجهل والفقر والمرض...يعيشون كالغرباء في بلدهم ودورهم السرمدي هو خدمة أبناء القبائل  كسخرة في المنازل وحمالة وحراس ورعات وسائقين و سكتات وبرامات وحراث وشواية……...وبائعي رصيد في أحسن الأحوال !

 

نصيب ابنائهم الجهل والتشرد والإدمان والضياع ...وبالتالي هم اغلب نزلاء المفوضيات و السجون والمستشفيات الحكومية(رديئة الخدمة) وهم القلة داخل الفصول الدراسية وفي الإدارات العامة والأعمال التجارية وبالكاد يكمل أحد ابنائهم  دراسته نتيجة الفقر المدقع والظروف العائلية الصعبة والبيئة الإجرامية التي يتربون فيها داخل الأحياء الفقيرة على هوامش المدن الكبيرة او العزلة في مناطق آدوابه ….

 

 صور التخرج و التدشينات والندوات الثقافية والبرامج التلفزيونية وتمايز الشعبين في الأحياء والمقاطعات وحتى في السيارات …. كل هذا أصبح محرجا وفاضحا وتفوح منه رائحة التمييز الممنهج  لأن اغلب الخريجين والضباط والموظفين والإعلاميين ورجال الأعمال والمال والسياسة والمثقفين .. هم من جنس واحد ومن عرق واحد وكلهم أبناء قبائل !

 

تصورو معي ان الدفعة التاسعة من خريجي كلية الطب هم من لون واحد وينتمون  لعرق واحد  ناهيكم أن الدفعات رقم المئة من  أسلاك الأمن والجيش والإدارة والقضاء  …..هي  أيضا من أبناء القبائل!

 

سيقول البعض بأن  " الدولة وفرت المدارس للجميع فلماذا لا يدرس لحراطين ابنائهم   ؟! وكأن المشكلة في لحراطين!

 

اطلب من هؤلاء التمعن في  هذه الأسئلة قبل التعليق؟!

هل يعيش أبناء لحراطين في نفس الظروف التي يعيش فيها أبناء القبائل؟ 

هل لديهم نفس التكوين النفسي والثقافي وهل لديهم نفس التركيبة الإجتماعية القبلية ؟ وهل مفهوم العائلة الكبيرة والفخظ والقبيلة يوجد في مكون لحراطين ... ؟!

 هل لديهم نفس التاريخ ؟ من  كان يستعبد من ؟

 اليس للرق مخلفات سيئة تؤثر على الحالة النفسية والذهنية والاجتماعية للفرد  ….يتوارثها  أبناء الأرقاء جيلا بعد جيل  ؟!

 

بتفصيل أكثر:

1/هل الوضع  المعيشي السيء لأغلب لحراطين يمكن أن يقارن بالمستوى المعيشي المقبول  لأغلب البيظان؟

هل تعرفون معنى أحد أهم مصطلحات الفقر والذي  يسمى ب "مصيدة الفقر "poverty trap "وهو نظام اقتصادي يجعل من الصعب على الإنسان الخروج من الفقر وذلك بسبب عدة عوامل منها   انتشار الفقر بين أفراد الأسرة والأقارب وضعف التعليم  والبيئة المرضية ونقص الرعاية الصحية العامة وضعف البنية التحتية والتصحر وفساد الحكومة ومحدودية الوصول إلي أسواق الائتمان ورأس المال وغياب الدعم الكافي critical mass الذي يمكن أن يخرج الإنسان من الفقر وإلى الأبد و…..

 إن أغلب لحراطين  لا زالوا يعيشون حالة فقر مزمن - الفقر طيلة الحياة-  بسبب " مصيدة الفقر" بل إنهم يرضعون الفقر من اثداء أمهاتهم أي أنهم يتوارثونه كابرا عن كابر  !

هذا عكس اغلب مجتمع البيظان تماما مع اني لا انكر ان فيهم  الكثير من الفقراء لكن من السهل على أغلبهم الخروج  من مصيدة الفقر بسبب عوامل عديدة من بينها التكافل الإجتماعي "القبلي" -منطق خيركم لأهليكم -وعلاقات النسب والمصاهرة وكثرة التجار والموظفين وانتشار ثقافة التوظيف على أساس قبلي وثقافة نهب المال العام وتوظيفه في الولاءات القبلية وثقافة الهجرة وسهولة الوصول إلي الإئتمان رأس المال … 

أي أن الفرد في مجتمع البيظان يستعمل المصعد الكهربائي لتغيير مستواه الإجتماعي والإقتصادي مقارنة بالفرد في مجتمع الزنوج ولحراطين الذي يستعمل أظافره وسواعده  لتسلق جبل التمييز والحرمان والعنصرية  للخروج من مصيدة الفقر !   

 

2/هل فرصة الطالب البيظاني في وجود متعلم داخل الأسرة -الصغيرة او الكبيرة- يراقبه ويحفزه و يساعده على فهم دروسه  هي نفس الفرصة التي لدى الطالب الحرطاني ؟

هل للطالب الحرطاني  إخوة أو أقارب وأبناء عمومة.. يشغلون وظائف محترمة في الدولة أو رجال أعمال... ليكونوا مثلا أعلى بالنسبة له ولأسرته وبالتالي محفزا له ولأسرته على التضحية والصبر على سنوات الدراسة والتحصيل الطويلة ؟

أثبتت دراسة أقيمت في الولايات المتحدة أن أبناء أساتذة الرياضيات يحصلون على درجات اعلى في مادة الرياضيات مقارنة بأقرانهم في نفس الفصل  كما أثبتت دراسة ثانية أقيمت في الهند حول مبدأ تكافؤ الفرص  l'égalité des chances   أن أبناء الأساتذة الجامعيين يحصلون على معدلات سنوية افضل من باقي الطلبة! 

 

من هذه الدراسات  نستنتج أن المستوى التعليمي والاجتماعي للأبوين ومحيطهم الاجتماعي  يلعب دورا مهما في القدرات العلمية والتحصيلية الطالب ! 

 

3/هل لأسر لحراطين نسيج اجتماعي-قبلي- مترابط يسهل لهم  الاستفادة من اغلب الخدمات العمومية من تعليم و صحة و اوراق ادارية و شهادات مدرسية ويواكبهم في تحويل الطالب من فصل إلى فصل ومن مدرسة إلى مدرسة ومن الريف إلى المدينة  ويساعدهم في الحصول على  المنح الدراسية والعمل بعد التخرج…؟! طبعا لا 

 

على العكس من أسر البيظان التي ينتمي أغلبها إلى مجتمعات قبلية متكافلة متعاضدة في أغلب الأحيان ولديها علاقات نسب ومصاهرة تفتح لها كل الأبواب وتسهل لها جميع التعاملات الإدارية ؟!

 

4/هل المادة المقدمة في  المدارس الخصوصية التي يدرس فيها أغلب أبناء البيظان يمكن أن تقارن بالمادة المقدمة في الحظائر الحكومية التي يدرس فيها كل أبناء لحراطين ؟  

الغريب أن المستفيد الوحيد من مدارس الدولة هم أبناء القبائل وليس أبناء لحراطين كما يروج البعض ! 

إن أغلب المعلمين والاساتذة هم من أبناء القبائل الذين لا مستوى لهم - ورفضهم التقويم خير دليل على ذلك- تم اكتتابهم بطريقة زبونية ويحصلون على أجور دائمة وضمان صحي مدى الحياة دون تقديم أية خدمة تذكر وأغلبهم يمارس مهن حرة أو يدرس في مدارس خاصة ولا يطرق باب المدرسة إلا أيام معدودة من السنة بل إن البعض منهم لا يعرف مكان المدرسة التي من المفترض ان يدرس فيها والأغرب من كل  ذلك أن هؤلاء المعلمين والاساتذة لا يدرسون أبنائهم في المدارس الحكومية التي يعملون بها  لأنهم يعلمون تمام العلم انها مجرد حظائر أقامتها الدولة لتجهيل أبناء لحراطين ومكافحة البطالة بين  أبناء القبائل المتعلمين وغير المتعلمين !

 

حتى ولو افترضنا جدلا ان لحراطين امة كسولة- مع أن الواقع والتاريخ يكذبان ذلك لأنهم هم  القوة الإنتاجية الوحيدة في البلد- و لا تحب الدراسة حسب ما يروح له أبناء القبائل !

 ما هو مبرر كم  يا ابناء القبائل في إقصاء الأخوة الزنوج من لوحة الوطن أليست بهم طبقة متعلمة واسعة ولديهم مثقفون كبار وفيهم الكثير من الخبرات والكفاءات التي تميزت في الغرب وحول العالم!

لماذا يتم تهميشهم داخل الإدارة ومنعهم من دخول اسلاك الامن والجيش والقضاء   ……..؟ 

لماذا يحرمون من ولوج عالم المال والأعمال  ؟ ألا يخلق كل نظام رجال أعماله من العدم ؟! 

كم من رخص الصيد والبنوك والإعفاء الضريبي وأذون استغلال آلاف الهكتارات الزراعية والسكنية و صفقات التراضي…..يمنحها الرئيس سنويا لمقرببه واصدقائه ولشيوخ ومشايخ القبائل وابنائهم من ساسة ومثقفين و نافذين…..؟! 

لماذا لا يستفيد من هذا الفساد زنجي واحد ؟! أو حتى حرطاني؟!

 

سيقول الكثير منكم ان لحراطين والزنوج يشغلون وظائف سامية في الدولة وهذا صحيح لكن هؤلاء قلة قليلة والغرض منها تلوين الحكومة والإدارة لكي لا يقول الممول الأجنبي أننا دولة عنصرية 

مع أن أغلب هؤلاء يستغل كالدمية ايضا ضد النشطاء السياسيين والحقوقيين -من بني جلدته- المعارضين للسياسات العنصرية الممارسة ضدهم من طرف انظمة أبناء القبائل  

لعلمكم هؤلاء الموظفين السود في الغالب هم بلا صلاحيات وهم قلة قليلة  بالنسبة لمايمثله الزنوج ولحراطين من المجتمع الموريتاني والغريب أنك تجد عدد الأطر في قبيلة صغيرة من قبائل البيظان يفوق عدد الأطر في جميع لحراطين الذين هم نصف الشعب الموريتاني واضعاف عدد الأطر في الزنوج الذين هم بحجم عشرات القبائل!

 

اعرف ان الكثير منكم قد لا يعجبه هذا الكلام بل إن البعض منكم سيصاب بهستيريا قد لا يشفى منها إلا بعد عام  لأنكم تربيتم في على ثقافة قطيع واحد لا يرى الوطن الا بلون واحد  ويفكر بعقل واحد ويتكلم بلسان واحد وان اختلفت الأحرف …..ولديكم منطق استعلاء غبي لا يحب صاحبه أن يرى إلا ما يريد ولايحب ان يسمع إلا ما يعجبه وتطمئن له نفسه حتى ولوكان غير الحقيقة !

 

أفيقوا يا أبناء البيظان من سكرتكم واعلموا أنكم لا تزنون في هذا  الكون جناح بعوضة وانكم عالة على البشرية وغضب حل ببقعة من الكرة الأرضية !

إعلموا ان قبائلكم  وانسابكم واشعاركم وايامكم وامجادكم وتدينكم الزائف.. كل هذا هو سبب جلفكم وتخلفكم وجهلكم و عنصريتكم وانانبتكم …..لهذا لا زلتم تعيشون كقطعان انعام-تختلف قبائلها بإختلاف اشكالها والوانها ودرجة افتراسها- يحكمها قانون الغاب و تسكن مدنا من الإسمنت وتسوق السيارات وتتغذى على فضلات العالم همها هو جمع المال بأي طريقة  (..)

 

أفيقوا يا أبناء وطني قبل فوات الأوان فكم من دولة أمست  عامرة بأهلها وبسبب الظلم أصبحت خاوية على عروشها ! 

 

صدقوني حين تنطلق شرارة الحرب الأهلية فلا قبيلة ولا عشيرة يمكن أن تحميكم فأباطرة الفساد وكبار المثقفين سيكونون أول المغادرين فأغلبهم يملك  أرصدة  بنكية في الخارج وبالتالي سيستثمر أموالكم التي نهب  في البلد الذي يحب ويأخذ جنسيته ليعيش فيه معززا مكرما يتفرج على مآسيكم عبر شاشة الجزيرة !

هذا بالضبط هو ماحدث في العراق سوريا وليبيا واليمن وافريقيا الوسطى ومالي …..والقائمه تطول ونحن لسنا بدعا ولن نكون الإستثناء لأننا زرعتا بذور الفتنة ونسقيها كل يوم بماء الظلم والجهل والحرمان!

 

 

بني وطني ادعوكم جميعا للتخلي عن سياسة النعامة والمكابرة  وإنكار الواقع والتهرب من المسؤولية والدفاع عن تركة الأنظمة العسكرية القلبية الفاسدة ! يجب أن نصارح أنفسنا وأبناء وطننا و ونعترف باخطائنا و نسعى لإصلاح مايمكن إصلاحه قبل فوات الاوان ؟!

أثبتت التجارب البشرية النهضوية ان الخطوة الأولى والضرورية في طريق الإصلاح هي التعليم و التعليم والتعليم ……. التعليم 

ان منظومتنا التربوية الفاشلة الفسادة هي سبب المآسي التي نعيش الآن لذا فإننا يجب أن نطالب ونضغط من اجل إصلاح جذري وشامل لهذه المنظومة التي انتجت شعبين  لا تربطهم اي علاقة داخل الدولة الواحدة فهي التي رسخت مظاهر العنصرية والتمييز بصفة ممنهجة ولعقود  

اصبحت لدينا مدارس للبيض - المدارس  الخاصة - ومدارس للسود-المدارس الحكومية- مدارس البيض تخرج الدفعات سنويا إلي سوق العمل ومدارس السود تخرج أبناء لحراطين سنويا الي الشوارع ومن ثم إلي السجون وبهذه الأجيال السوداء الضائعة نحن تصنع قنبلة موقوتة ستكون سبب فنائنا وجرائم الطعن بالسكاكين المنتشرة منذ فترة ماهي الا بداية الحرب  التي ستكون مؤلمة للجميع !

أرجوا من العقلاء من كل الأطياف الضغط على الرئيس ومطالبته يتحمل مسؤولياته باتخاذ قرارات شجاعة  من أجل إصلاح جذري 

وذلك لن يكون إلا بتوظيف الكفاءات النزيهة والبعد عن القلبية والزبونية في التعيين وأن يبدا بإعادة الإعتبارللمدرسة الجمهورية قبل فوات الاوان ! 

محمد ولد الدحان

خبير اقتصادي مقيم في بلجيكا

أحد, 23/05/2021 - 14:01