لك خلوة مع المال العام! من أي الفريقين أنت، اختر لنفسك! 

هذا حديث وجداني، وفضفضة من مواطن لمن يهمه الحاضر، وهو يفكر في المستقبل! إنه همس من إيحاء الواقع، وتَجَلٍ من أسرار آثار الإنتفاع، غير الشرعي، بالمال العام علي حياة كهنة التسيير الإداري والمالي، ومحيطهم! وما ينجر عن ذلك من انعكاسات أفعالهم علي حياة المواطنين من أبناء بلدهم!
إن المتمعن في أحوال فئة من الموظفين الكبار، الذين يُسيرون المال العام، وفي أوضاع حاشيتهم، من تجار ومقاولين، من من  يتردد بين الناس أنهم يتعاونون علي تحويل الميزانيات العمومية إلي ميزانيات خصوصية، وينفقونها علي أنفسهم بدل المشاريع التنموية، سوف يلاحظ أن طبيعة حياة هؤلاء الإجتماعية، ودينهم، و أخلاقهم تنقسم إلي قسمين رئيسيين لا يتسمان بطابع واحد دائما، رغم أنهم يشتركون جميعا في مهارة تطويع أدوات  تسيير المال العام، والاستئثار به لأنفسهم. غير أن  منهم فريقا ينهبه، ويفسد به الدين والأخلاق، ومنهم طائفة تقتصر، إلي حد ما، علي نهبه دون إفساد كبير في نواحي الحياة الأخرى. فكيف ذلك؟ هناك طائفة تستحوذ علي الميزانيات العمومية الموضوعة تحت تصرفها، و بدل إنجاز المشاريع التنموية التي وضعت لها تلك الأموال يتحايل عليها المسؤولون، بالتعاون مع موردين ورجال أعمال، ويستخدمونها في الملذات غير الشرعية، من إسراف في الإستهلاك، وبذخ زائد في المناسبات الإجتماعية، وإقامة حفلات اختلاط وتكشف وسفور، وربما تناول لمحرمات ومؤثرات عقلية مضرة، وإشاعة الإنحراف، والفسق، بين الناس…إلخ فهذه الفئة، علاوة علي إضاعتها للمال العام، فهي أيضا تخرب الدين والأخلاق، وتنغص السكينة العامة، وتهدم العافية و الأمن بين المسلمين … فضررها علي المجتمع مضاعف، ولا ينجو منه أحد. وبالمقابل فإن الفريق الثاني، وإن كان ينهب الميزانيات العامة، و يعيق التنمية، ويطيل أمد التخلف العمراني، إلا أن أهله يحرصون علي تربية أبنائهم تربية حسنة، وأن تكون بناتهم، مثلا، ساترات محتشمات، و خلوقات. وهؤلاء لا يُبذرون كثيرا في المناسبات الإجتماعية، ولا يتباهون بذلك. بل  إنهم، ربما، يحرصون علي تدريس  أبناءهم القرآن الكريم، وبعض العلوم الشرعية، والأداب، والأخلاق…وغير ذلك من الفضائل، مما يجعل ضررهم علي المجتمع أقل سوءا من الفريق آنف الذكر. فإذا كان الأولون يفسدون الدين والدنيا، فإن الأخيرين يُبقيون علي شيئ من الدين. وهذا أمر مهم. فلربما، مع الوقت، ينهاهم ذلك النصيب من الورع عن إفساد الدنيا أيضا. (… إن الصلواة تنهي عن الفحشاء والمنكر…) و حتي أنهم قد يصبحون  من مصلحي هذا البلد، لأنهم أصحاب تجربة في تسيير المال العام، وإدارته. وسيكون تسييرهم له، باتباع القواعد السليمة، بعد توبتهم إن شاء الله، أسهل عليهم من ذي قبل! فاختر لنفسك، أخي المسيِر الفريق الذي يناسبك!
تذكر أيها المسؤول الكبير، أخي في الله، أن بعض الشر أهون من بعض، وأن من خلط عملا صالحا وآخر سيئا خير من من لم يعمل إلا العمل السيئ. وتذكر أيضا أن سؤال المال هناك ذو شقين: (…من أين اكتسبته، وفيم أنفقته؟…) فلا تجمع علي نفسك عقاب الكسب والإنفاق، ولعل صلاحك في الإنفاق يشفع لك في عدمه في الكسب.
اللهم اجعل للمسؤولين الكبار من مُسيري المال العام عندنا بركة في رواتبهم، وعلاواتهم، وتعويضات أسفارهم…وغير ذلك من أرزاقهم الطيبة. وطمئن بذلك  قلوبهم، وسكن مخاوفهم. وإن كان  أحدهم، اللهم،  لا يستطيع الصبر عن مد يده إلي ميزانيته، فاكفه ببعض منها، و قنعه به! 
آمين.

اثنين, 05/05/2025 - 21:47