تاريخ الكادحين: بٓاهُوشْ عفريتُ منً الجِنّ متيّمٌ بحبّ العربية (الحلقة 2)

ما هي علاقة المجموعة التأسيسية بالتيار القومي العربي  وكيف تحول هذا التيار إلى حركة ديمقراطية موريتانية؟ طرحت هذا السؤال على الاخ والرفيق السابق  بدن .. وهو كما  ذكرنا في الحلقة السابقة احد اعضاء  مجموعة تأسيس الحركة بتكمادي  فافاض   زاده الله فيضا بما يلي :  

 القوميون العرب في ذالك التاريخ حركة عربية غاية في السرية ، حتي في الديار المصرية مع انهم يعتبرون مصر وثورتها كعبة الأحرار ، غير  ان الدولة العميقة هناك كانت  تناصبهم العداء وتطاردهم وتزج المخابرات المصرية بهم في غياهب السجون. كنا مرتبطين فكرياً بقادة ذالك التيار من خلال منشورات عديدة يصدرونها منها العلني مثل دورية الحرية في بيروت ومنها السري، يسلك قنوات التواصل عبر الرفاق الذين ارتبط بهم التنظيم العام لحركة القوميين. اما فعاليات النضال في موريتانيا فكان شأناً داخلياً نقوم به نحن دون تدخل الاخوة في المشرق. وتمثل أساساً في الدفاع عن عروبة بلاد شنقيط والمطالبة والإلحاح علي نظام المغفور له  باذن الله  المختار ولد داداه بمطلب  ترسيم اللغةً العربية ووضعها في مكانها الصحيح. تجسد ذالك المسعى في ما كانت تقوم به نقابة المعلمين العرب بقيادة الاخوة محمد المصطفي بدر الدين رحمه الله والأخ محمدو الناجي محمد احمد اطال الله عمره والشاعر الكبير احمدو عبد  القادر حفظه الله ورعاه، وقد خلد كل ذالك في بديع شعره، وجميل أدبه،
وأتذكر ،ا نني تابعت تلك الايام في مجلة الواقع وهي من إصدارات النقابة المذكورة ويديرها باقتدار صديقي المناضل محمدو الناجي محمد احمد ، تابعتُ سلسلة قصص قصيرة شيقة للغاية بقلم احمدو عبد القادر  مدارها  عفريتٌ جنيٌ كريهُ  المنظر، صوته مزلزلٌ  مرعب كثير التجوال له جناحان يطير بهما في الأعالي وحين بخلّق فوق بعض المدن  يسترق السمع من بعيد فان نما الى مسامعه وفعُ الأذان وتلاوة القرءان والكلام العربي فرح  فرحاً شديداً وأطال الدوران فوق المكان مهللاً طرِباً بما سمع. وحين يصل به المطاف الي اجواء البقاع المغايرة ويتنامى الى مسامعه ما ينبعث منها من ضجيج الحانات وصياح بالفرنسية بُسرعُ  الخطى غاضباً مزمجراً علىً من فيها من البشر.

 

بوياكى ول عابدين : شجاع  يقول الحق ولو على نفسه !

 

وفِي تلك الفترة كانت عندنا دورية اخري يصدرها ويحررها الأخ  الأديب والشاعر محمدن إشدو بعنوان "موريانيا الفتاة" وهي تحض علي الاتجاه القومي العربي. وأتذكر انني  ذهبت ذات ليلة من ليالي الصيف رفقة محمدن ولد إشدو اطال الله بقاءه،  الي دار مبنية من الطين ، مغطاة بصفائح الزنك متواضعة المنظر ، عظيمةٍ مهيبة  بساكنها، انه المناضل الشهم  الوزير والقائد الملهم بياكي ولد عابدين. دخلنا الدار وكان بابها مفتوحاً لكل طارق، فاستقبنا الزعيم بياكي وبعد تبادل التحية مع الرجل الذي يفيض وقاراً وشجاعةً، اخبرنا ان المكان تعرض في الليلة السابقة لتخريب من طرف  أنصار نظام الاستعمار الجديد وأنهم سرقوا كبريات آلات الطباعة والسحب الموجودة فى المكان وكان يصدر بها مجلة "صوت الشعب" التي كان ينتقد فيها انتقاداً لاذعاً ارتباط البلاد بالمستعمر السابق، بأسلوب وطني صادقٍ ومخلص. وأردف الزعيم بياكى ول عابدين رحمه الله وطيب ثراه متهكماً ساخراً من النظام القائم: "هم لا يدركون انه باستطاعتي ان أعوض ما   اتلفوه وسرقوه في لمح البصر ومن ثمن نعاجي البيض حصرا!".

وبعد الاستماع الي نصائح المرحوم وكنا نتقاسم معه النظرة الي ما يجري في البلاد، طلبنا منه آلة  كبسٍٍ لتشبيك عددٍ من مجلة موريتانيا الفتاة ، فزودنا بها بكل سرور  وسخاء .
أذكرُ هنا أن المرحوم بوياكى وصفه يوسف مُقٓلّد وهو كاتب لبنانى فى مؤلف لهٍ صدرٓ بداية الستينيات تحت عنوان موريتانيا الحديثة غابرها وحاضرها، أو العرب البيض في إفريقيا السوداء تاريخهم أصلهم عروبتهم أحوالهم بأنه رجل "شجاع يقول الحق ولو على نفسه !"،  ما أحوجنا الى أمثاله نُكرمهم وندفع بهم الى الصفوف الأمامية  فى الوزارات والإدارات يخدمون الأمة، لا مصالحهم  الفردية الضيقة ولا يُرِيدُون  على دالك جزاءً ولا شكوراً .

وبالعودة آلى آلاجواء السائدة إبان  اجتماع تكمادي، علي ما اتذكر كانت الساحة في المشرق العربي حبلى بمراجعات فكرية عميقة تطفو علًى السطح ، تعيش اثار العدوان علي الدول العربية ونكسة حزيران  1967وما تلاها من خلافات  في الا تجاه القومي العربي. كنا حينها أقربٓ الى تيار يقوده الفلسطينيون من قادة التنظيم وتوزع دورية الحرية الصادرة في بيروت أفكاره الاساسية علي مناصري التيار في مختلف بقاع العالم.

وقد احتدم نضال الطلاب والمعلمين والتلاميذ فى بلادنا وقام العمال بشجاعة بدور بارز ، كنا علي اعتاب احداث ازويرات الدامية والتي خلدها هي الآخري الشاعر احمدو عبد القادر برسالة العجوز، تندبُ بحرقة ووجعٍ بالقلب ابنها وفلذة كبدها وقد مات صريع الرصاص الغادر! وتضمنت رسالة العجوز حكايةً كلها ألم وتوجع وحسرة، مطالبة "رجل البلاد " بالاجابة على سؤال اللائمين ، وهل من مجيبٍ وهل من مبين؟
لعل الرد على هذا السؤال جاء  في   خطوات  التنسيق  التي  قامت بها المجموعة التأسيسية  مع التيارات الآخرى و فعاليات  القوى الحية  بغية توحيد الصفوف في حركة جماهيرية  كتب لها القبول وانتشرت بين الناس اتشار النار فى الهشيم ."
                        
مقدمة المقال من إعداد الوزير السابق عبد القادر محمد
كتب النص / بدن عابدين

 

تنويه: الصور المنشورة خدمةً  للنص مصدرها مكتبة موريتانيا والصحراء
لصاحبها أخى وصديقي  أحمد محمود ول أحمدو الملقب جمال،
أشكره وأحييه

اثنين, 01/02/2021 - 20:43