القرابة والتشغيل في موريتانيا: شركة الكهرباء نموذجا

يُعزى ارتفاعُ مؤشر الحصولِ على الشغل عن طريق الأقاربِ في قطاع الكهرباء (64.6%) إلى إمكانية الإستفادة السريعة منه وقدراته الواسعة في تحقيق الإرتقاء في السلم الإجتماعي، فقد تبين لنا من خلال نماذجِ الأجوبة أن حُب الإستفادة والتأثر بالوضعية المادية والإجتماعية للعاملين فيه وحدة المنافسة الناتجة عن ندرة التشغيل، غالباً ما تدفع المتكون الباحث عن العمل إلى الإستعانة بأصحابِ المراكز الإجتماعية و النفوذ السياسي. بل يمكن القولُ بدون مبالغة أن قطاع الكهرباء بشكله الحالي يعتبر من بين أهم القطاعات الإنتاجية التي يتم عن طريقها الحفاظ على استمرارية نسق العلاقات الإجتماعية التقليدية سواء بمفهومها الدموي أو القبلي أو الجهوي من جهة، أو إعادة إنتاجها كلما اقتضت الضرورة إلى ذلك من جهة.

تبدو هذه الوضعية طبيعية في مجتمع لا يزال- رغم التحولات التي شهدها العقود الثلاثة الاخيرة- يستند في تسيير شؤون حياته العامة ببنية اجتماعية صلبة. تجعل الزعامات ذات الرأسين (الزاوي والحساني) في وضعية تمكنها من الحفاظ على استمرارِ نفوذ مراكزها الإجتماعية في حقول متعددة، من أجل الحصول على رأس مال اقتصادي، وهو ما يسمح لنا القول بأن المكانة الإجتماعية ما هي إلا انعكاس لبعض الجوانب من البنية الإقتصادية الحالية للمجتمع الموريتاني، فصمود البنى الإجتماعية التقليدية في وجه التغيرات و التحولات التي عرفها المجتمع خلال الفترات الأخيرة، وحدة الأزمة التي دعمها سوء التسيير، وعجز الدولة عن فرض منطقها والقيام بمسؤوليتها اتجاه نفسها واتجاه مواطنيها. جعل المحسوبية في الولاء الإجتماعي بمفهومه الدموي والقبلي والجهوي والإثني، يتفوق في أغلب الأحيان على معايير الكفاءة و الخبرة بل وجعل هذه الأخيرة تفقد معانها و أهميتها في غياب الأولى ذلك أن الحصول على شغل عن طريق الأقارب في هذا القطاع أو غيره، لا يعكس فقط الرغبة الجادة في الإستفادة المادية منه، بقدرما يعكس قوة المراكز الإجتماعية و أهمية النسب والحسب، وقدرتهما على نزع صبغة القداسة عن الشهادات المهنية أوالعمالة الماهرة، وبالتالي شل الحراك الإقتصادي والإجتماعي عن الإبداع والتّطور.

 

المصدر:

عبد الله ولد أحمد فال، السكان والتشغيل في موريتانيا. أطروحة دكتورا في علم الإجتماع. جامعة تونس 1998-1999. ص386.

سبت, 03/04/2021 - 10:46