"لا تواسوهان" يا فقهاءنا الأجلاء!

الراجح أن الموريتانيين على الأقل صاموا هذا العام يوما من شعبان، لأن الرؤية التي أثبتوها لا تصح في حساب الفلكيين.

ولكن لا بأس فقد رُوي عن علي كرم الله وجهه قوله: "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان".

ومن هذا الباب اختلاف الفقهاء في إثبات الواحد لرؤية رمضان واتفاق جمهورهم على اشتراط العدد في إثبات شهر شوال!

المهم أننا الآن، أو بعضنا، في قلق ورهب من أن تجتمع لجنة الأهلة مساء الثلاثاء وتتلقى شهودا بالرؤية (وقد تتلقاهم لو جلست يوم 25!!) فتثبت رؤية شهر شوال، وتعلن يوم الأربعاء يوم الفطر!

هذا ما نخشاه الآن، وندعو الله ألا يكون؛ لأنه يعني أننا ضيعنا يوما أو يومين من رمضان!

فقد أكدت مراصد الفلك وحساباته العلمية الموثوقة استحالة رؤية الهلال مساء الثلاثاء (11 مايو) في جميع دول العالم الإسلامي، وإمكانية رؤيته بصعوبة في دول إفريقيا مساء الأربعاء.

فنرجو من لجنة الاهلية الموقرة أن تصرف النظر عن البحث والاجتماع قبل مساء الأربعاء، خوفا من إحراج الرؤية الوهمية، حتى لا نقول المزورة، أو أن ترد بحزم أي رؤية تصلها ذلك المساء.

ولقد آن الأوان لهذه اللجنة وغيرها من لجان العالم الإسلامي، أن تجعل الحسابات الفلكية في مقدمة وسائل إثبات الرؤية الشرعية للأهلة، خاصة أن طرق الاطلاع والتثبت من حقيقة هذه الحسابات وأجهزة الرصد المتطورة معها سالكة للجميع.

ومن الغريب والمعيب أن تسمع فقيها اليوم يشبه الحساب والرصد الفلكي الحديث بالتنجيم فيرد على إثباتاته ب"كذب المنجمون ولو صدقوا"!

والحق أن علم الفلك حقل علمي لا علاقة له بالتنجيم والكهانة... بل هو علم تجريبي حسابي أكثر دقة من التحاليل الطبية والعمليات الجراحية والأمصال... التي لا نجد اليوم فقيها يعارضها أو يشكك فيها، أو يتردد لحظة في أن يسلمها نفسه أو نفس من يحب!

والحقيقة أن أقوال الفقهاء واستنباطاتهم منذ القدم ممهدة لاعتبار الحساب الفلكي، وبذلك فسر الفقهاء المتأخرون، بل وبعض المتقدمين، قول النبي صلى الله عليه وسلم "فاقدروا له" في الحديث الشريف. وشددوا النكير على من اعتبر الرؤية غاية لا وسيلة، ومن تطرف فأناط الحكم بالرؤية نفسها، فأوجب الصوم بها لا بوجود الشهر! فردوا عليه بوجوب الصوم على الأعمى والمحبوس ممن لا رؤية لهم...

ومن الأدلة البينة على أن الرؤية وإثباتها بالخبر أو الشهادة وسيلة لتحصيل الظن بوجود الهلال، ما ملأ كتب الحديث والفقه من اعتبار حال الشهود، وحال المِصر، وحال الجو، وحساب شهر شعبان...

فاعتبار البلدة وعدد سكانها يترتب عليه عدد من يدّعون رؤية الهلال؛ ولذلك اشترط بعض الفقهاء في مصر في القرن الهجري الثالث عشر رؤية 50 شخصا على الأقل لإثبات الهلال. 

وفي الأزمنة الغابرة كان انعدام الاتصال وبُعد المسافة يمنع من اعتبار معادلة: "عدد الرائين إلى عدد السكان"، بحثا عن الحقيقة أو الظن القوي.

واليوم فإنه في بلادنا مثلا تعتبر موريتانيا كلها مصرا واحدا، تستطيع لجنة الأهلة سبر أغواره واستشهاد سكانه جميعا في نفس الوقت، مع ما يوفره تباين أوقات الغروب واختلاف الأجواء من تحقيق الرؤية البصَرية العادية؛ وبالتالي فمن شبه المستحيل أن لا يرى الهلال سوى شخصين أو عشرة أو مائة... من بين أكثر من أربعة ملايين شخص!! 

فما بالكم بالإثبات برؤية العدلين، اللذين ـ في هذه الحالة ـ ينطبق عليهما قول الإمام مالك رحمه الله: "هما شاهدا سوء"؟!!

وبالاختصار على اللجنة الموقرة أن تضع في الحسبان أنّ الظني لا يساوي القطعيّ فضلا عن أن يقدم عليه. 

وبالاختصار أيضا آن الأوان لتبتعد عدة الشهور وضبط مفاتيح الأهلة عن سياسات الحكام والدول، وان تسند إلى خبراء في الفقه والفلك، ولجان فنية مستقلة تماما عن الحكومات وعن الفقهاء الحَرْفيين المتعصبين لمذاهبهم، أو أسارى آراء تخضع لأزمنة وظروف قديمة تبدلت غير أزمنتها وحياتها ووسائلها...

وهذا ليس فقط صونا وتأييدا لشريعة الإسلام واستمرار هيمنتها، ولكنه كذلك لَبِنة عظيمة في بناء وحدة المسلمين وتماسكهم وتواصلهم وتضامنهم...

 

هذه دردشة مسلم غير فقيه ولا فلكي، ولكنه يحب المسلمين ويرجو إكمال عدة صومه.

ولله الأمر كله، نسأله التوفيق.

م. محفوظ أحمد

 

أربعاء, 05/05/2021 - 19:51