المحجوب السالك: الحكم الذاتي في الصحراء سيمكننا من ادارة شؤوننا بأنفسنا وعلى أرضنا

 عرفت القضية في الآونة الأخيرة ديناميكية جديدة أعادتها للواجهة مع إعلان الولايات المتحدة نيتها الرمي بثقلها الدبلوماسي بإرسال مستشار ترامب للشؤون الأفريقية الي المنطقة سعيا للتوصل إلى تسوية مقبولة من طرفي النزاع.

ومواصلة  لتمكين مختلف النخب الصحراوية من عرض تصوراتها للمقاربات الممكنة لتسوية النزاع، أجرينا مقابلة مع أحد مؤسسي جبهة البوليساريو في مايو 1973, المحجوب السالك، الذي انشق عنها فى 2004 وأسّس حركة سماها "البوليساريو/خط الشهيد".

 

 

اقلام: حركتكم "خط الشهيد" قدمت نفسها في البداية كحركة إصلاحية داخل البوليساريو، ولكن سرعان ما تخليتم عن حق تقرير المصير ودعمتم المقترح المغربي للحكم الذاتي. ما مبررات هذا التحول؟

 

المحجوب السالك: تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب /خط الشهيد في عام 2004 كحركة إصلاحية داخل الجبهة، وكان هدفنا هو إصلاح قيادة البوليساريو وتعزيز العدالة والديمقراطية بين أعضائها. سعينا إلى تحقيق تناوب على السلطة بدلاً من استمرار وجود نفس القيادة لأكثر من خمسين عاماً. كنا نهدف إلى فتح حوار وطني شامل دون إقصاء، وذلك من خلال تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحضير لمؤتمر طاري، معتمدين على قانون انتخابي جديد، وليس ذلك المفصل حسب أهواء القيادة.

عملنا بجد لإيصال رؤيتنا ومقترحاتنا، ولكن بعد عشرين عاماً، أي في 2024، أدركنا استحالة اصلاح القيادة الحالية، فهي ليست صاحبة القرار الحقيقي، كما أفسدت أهداف الثورة، محولة إياها من ثورة إلى ثروة، مما حولها إلى عبئ على الصحراويين ومشروعهم الوطني.

في اجتماع اللجنة التنفيذية للبوليساريو خط الشهيد في 2024، تأكدنا من عدم وجود أمل في إصلاح القيادة، حيث تمسكت هذه الأخيرة بالسلطة في حين أن القضية الوطنية والشعب أصبحت ثانوية بالنسبة لها. وقمنا بتحليل منطقي للواقع، وتبين لنا أن الخيارين المتاحين هما: إما البقاء في لحمادة بلا أفق، وهذا ما تسعى له القيادة الحالية، أو اللجوء إلى خيار الحكم الذاتي.

ولذلك، قررنا اعتبار خيار الحكم الذاتي كأخف الضررين، لأنه يمثل حلاً أفضل من جحيم لحمادة. إذا تم التفاوض مع المغرب حول آليات تطبيق هذا الخيار مع ضمانات دولية، سيمكن ذلك الصحراويين من إدارة شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية فوق أرض وطنهم. إذ أن وضعية قيادة البوليساريو في لحمادة لا تعكس سوى حكما ذاتيا بائسا وفقيرا، بعيدا عن أرض الوطن. ومن هذا المنطلق، تبنت حركة خط الشهيد منذ العام الماضي خيار الحكم الذاتي كونه يمثل الحل الوحيد المتاح في ظل الوضع الحالي.

 

أقلام:  جبهة البوليساريو ينطلق موقفها من مبدأ سليم وهو حق الصحراويين في تقرير مصيرهم عبر استفتاء نزيه. وبعدها يقبلون أو يرفضوا إذا شاؤوا الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب. ألا يمثل موقفكم هذا مصادرة لهذا الحق؟

 

المحجوب السالك: لقد كافحنا لفترة طويلة من أجل تحقيق حق تقرير المصير وبناء دولة مستقلة في الصحراء الغربية. ومع ذلك، اتضح لنا بعد اتفاقية وقف إطلاق النار مع المغرب في عام 1991 أن مسار الاستفتاء لم يتقدم بشكل ملموس. فقد مرت 35 عاماً منذ وقف القتال وتواجد قوات حفظ السلام "المينورسو"، وتحولت الهدنة إلى وقف دائم للعمليات العسكرية. ومع ذلك، لم تقم  جبهة البوليساريو  بالكفاح والنضال لفرض تطبيق الشق المتعلق بتنظيم استفتاء حر ونزيه يقرر فيه الصحراويون مستقبلهم بأنفسهم.

لقد ضيعت جبهة البوليساريو فرصة تقرير المصير عندما وافقت على وقف إطلاق النار في عام 1991 دون ضمانات كافية. ونتيجة لعدم اتفاق الطرفين على آلية تحديد من يحق لهم التصويت في الاستفتاء، تخلت الأمم المتحدة عن هذا المسار كحل وحيد للنزاع وطرحت مقاربة جديدة تعتمد على فكرة حل واقعي وديمقراطي يرضي جميع الأطراف المعنية.

لا شك في أنه من حيث المبدأ، يحق للصحراويين تقرير مصيرهم، لكن قيادة البوليساريو أضاعت هذا الحق وجعلته خياليًا نتيجة لعجزها عن تحمل المسؤولية في الوقت المناسب، مما أدى إلى فقدان الفرصة الثمينة لتحقيق تقرير المصير وإقامة الدولة الصحراوية المستقلة التي كنا نسعى لتحقيقها منذ تأسيس جبهة البوليساريو، وأنا أحد مؤسسيها، في مايو 1973.

لقد وضعت سياسات قيادة جبهة البوليساريو الشعب الصحراوي أمام خيارات صعبة: إما البقاء في مخيمات اللجوء في لحمادة أو التفكير في مقاربات جديدة للحل، ومن أهمها خيار الحكم الذاتي المتفاوض عليه مع المغرب. 

 

أما بالنسبة لنا في حركة "خط الشهيد"، فقد قررنا في عام 2024 تبني خيار الحكم الذاتي، وذلك حرصًا منا على مصلحة شعبنا، إذ لا نريد له البقاء إلى ما لا نهاية في مخيمات اللجوء في لحمادة، حيث تتاجر مجموعة من الانتهازيين بمعاناته. إن الحكم الذاتي سيمكننا من إدارة شؤوننا بأنفسنا فوق أرضنا وأرض أجدادنا، وما نعيشه اليوم في المخيمات هو نوع من الحكم الذاتي، ولكن بشروط قاسية وغير عادلة.

 

 

 أقلام: ما طبيعة الضمانات الدولية التي تعتقدون أنها ستجعل من الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً مقبولاً للنزاع؟

 

المحجوب السالك: الضمانات الدولية المطلوبة في إطار الحكم الذاتي ينبغي أن تكون جزءاً من مخرجات المفاوضات بين الأطراف المعنية بالنزاع الذي استمر لأكثر من 52 عاماً. في حال توصلت هذه الأطراف إلى توافق بشأن تسوية ترتكز على الحكم الذاتي للصحراويين، فإن ذلك سيستدعي بالتأكيد منح ضمانات دولية من خلال مجلس الأمن الدولي، الذي يتولى الملف ويقوم بعقد جلسات تقييم دورية كل ستة أشهر.

إضافة إلى ذلك، فإن الدول المعنية بالنزاع بشكل غير مباشر، مثل موريتانيا وإسبانيا والجزائر، ستلعب دور الضامن لتنفيذ الحكم الذاتي وفق الآليات والتفاصيل المتفق عليها بين البوليساريو والمغرب. 

من وجهة نظرنا، سيمكن الحكم الذاتي الصحراويين من إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية، كما سيساعد على الحفاظ على هويتهم الثقافية ولهجتهم الحسانية.

 

 

أقلام: هل التقيتم بالمبعوث الأممي لشرح رؤيتكم؟

 

المحجوب السالك: نعم لقد التقيت المبعوث اللاممي ستيفان ديميستورا. نهاية السنة الماضية هنا بانواقشوط مثلما التقينا الممثلين الذين كانوا قبله. وخلال هذا اللقاء شرحنا له رؤيتنا للوضع الراهن...

وقد بدا السيد دي ميستورا متأثراً للغاية بالوضع الإنساني في المخيمات. وبناءً على ذلك، قدم مقترحاته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي.

إنه من واجبنا ومن حق الشعب الصحراوي علينا السعي للبحث عن حل واقعي وقابل للتطبيق، ينهي معاناة نسائنا وأطفالنا وشيوخنا في هذه الأرض القاحلة في لحمادة.

خميس, 15/05/2025 - 22:36