الأمير المختار بن أحمد الإدوعيشي.. المجد المنسي

بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لعيد الاستقلال الوطني قد يكون مفيدا التذكير ببعض أعلام المقاومة الوطنية، وببعض الشخصيات التي كان لها دور كبير في الدفاع عن حوزة هذه الأرض، وأعني الأمير المختار بن أحمد بن المختار بن امحمد شين أمير اشراتيت أو شياخة إدوعيش الجنوبية. وسيكون هذه المقال محاولة للتعريف بهذه الشخصية الفذة والمجاهد المهاجر.

كان الأمير المختار بن أحمد أمير اعظيما وشيخا مكينالكن القليل من الناس من عرف عن تلك العظمة وتلكالمكانة، وقد بنى لهذه الأرض وساكنتها مجدا، ودافع عن دماء أهلها وأموالهم وأعراضهم دفاعا، وبذل نفسه في سبيل ذلك تاركا إمارته وأهله وعشيرته الأقربين وأتباعه وأنصاره، ولا نجد لتلك التضحيات ذكرا في كتابات المؤرخين، ولا صدا عند المهتمين، ولا تثمينا عند المعنيين.

وقد نفهم جانبا من هذا النسيان الأليم والتجاهل المرير إذا علمنا ان حاضنته الاجتماعية إدوعيش عموما واشراتيتخصوصا لا تبحث عن المدح ولا تسعى للتبجيل، فقد ألِفَ أجيالُ هذه الحاضنة أن يعطوا ولا يريدون جزاء، وأن يمنحوا ولا يرغبون في شكور، لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى، مرسخين قيم المروءة المرابطية وموطدين أسس الإباء الإدوعيشية. إلا أن زهد آبائه في الذكر وعدم رغبة عشيرته في التمجيد لا يبرر هذا التجاهل الذي يصل حد التنكر والتناسي الذي يلامس الإقصاء.

وقد يكون الحديث عن الأمير يحتاج لوقفة مطولة تجمع شتات أخباره وتؤلف ما تفرق من عناصر ترجمته، وهو أمر لن يفيَ به مقال وحيد واستهلال سريع، ومع ذلك فما لا يدرك كله لا يترك جله، وأنا هنا إذ أحاول جمع بعض عناصر ترجمة هذا الأمير الفذ لا يمكنني إلا أن أنوه بالأستاذ الدكتور محمد المختار ولد محمد الهادي فقد قدم محاضرة عن الأمير المختار جمع فيها نقاطا مفيدة وأشار إلى نواح هامة من حياته، كما أشكر الإخوة الباحثين من محيط الأمير المختار بن أحمد الأسري على تزويدي بالكثير من المعلومات الهامة التي مهدت لي السبيل في الاطلاع أكثر على جوانب من ترجمة هذا الأمير.

هذا فضلا عن المراجع الفرنسية العديدة التي فصلت في تاريخ إدوعيش عموما وإمارة إدوعيش الجنوبية مثل جورج پولى في كتابه الشهير عن البيضان في إفريقيا الغربية الفرنسية (Les Maures de l'Afrique Occidentale Française)، ومثل الترجمان الشهير دودو سك أو محمدن ولد أبنو المقداد في تقريره عن مهمته نحو الأمير المختار بن أحمد في تگانت كما جاء في التقرير نفسه، ومثل الجنرال فيدريب في كتابه ملاحظات حول مستعمرة السنغال والدول المتعالقة معها (Notice sur la colonie du Sénégal et sur les pays qui sont en relation avec elle)، وكذلك الرائد فرير جان في كتابه عن موريتانيا، والباحث الفرنسي بيير آمهيلات في مقاله الشهير عن إدوعيش أحفاد المرابطين (Petite chronique des Id Ou Aich, héritiers guerriers des Almoravides sahariens).

 

إمارة إدوعيش الجنوبية.. الانقسام في ظل الاحترام

 

لا يمكن الحديث عن إمارة المختار بن أحمد دون ذكر أساسها المكين وأصلها التليد وهو إمارة إدوعيش التي توارثها الشيوخ كابرا عن كابر والأمراء أميرا بعد أمير، ووطدتها المجموعات الصنهاجية في مناطق تگانت وأفله وآفطوط وگيديماغا وضفاف نهر صنهاجة. فكان لجدوده بدءا بامحمد من خونه فأعمر فبكار فامحمد شين فابنه الأمير الجليل محمد بن امحمد شين ذكرهم الباقي وبطولاتهم المذكورة وأيامهم المشهودة وبذلهم ونخوتهم ومجدهم وإباؤهم.

حاصرتهم قبائل بني حسان في حنيكات بغداد سنة 1778م وتظاهرت عليهم الجموع وتألبوا فخرجوا منتصرين، وظلت إمارتهم العتيدة ومشيخاتهم القوية تتوسع وتتمدد رافعة صيتها ومرسخة مكانتها. وقد سموا لذلك مفنيو الدول أي مبيدوهم كما قال صاحب الوسيط (الوسيط ص 486)، فقد أبادوا أولاد امبارك بعد أن كانوا مسيطرين على تگانت والحوض وغيرهما، ودخلوا في معارك مع إمارتي الترارزة وأبناء يحيى بن عثمان انتصروا في كثير منها.

ومن أبرز ما ميز إمارة إدوعيش فطنة قادتها المبكرة للدور الإعلامي في نشأة الكيانات السياسية ومسارهاومصيرها، فاستقطبوا الفنان الكبير سدوم ولد انجرتُ، وأعطوه العطاء الجزل وبالغوا في إكرامه، فنزل بين ظهرانيهم، وأصبح هو وذريته من بعده صوتَهم الإعلامي المسموعَ، وأخلص لهم ولاءه ونصرهم في محافل قبائل شنقيط بمديحياته البليغة وملاحمه الصادحة وما بات يعرف في الحسانية بالتهيدين.

انقسمت إمارة إدوعيش انقسامين رئيسيين، فبعد وفاة امحمد شين بن بكار بن أعمر سنة 1788م انقسمت إدوعيش قسمتها الأولى إلى بخواگه وهم شيعة بكار بن امحمد شين، ومكزوزه شيعة عمه سيدي أحمد بن بكار. وبعد وفاة محمد بن امحمد شين 1821هـ وقعت القسمة الثانية بين شيعة إخوته ويسمون اشراتيت وشيعة أبنائه ويسمون أبكاك. ومن المعلوم أن سبب هذه التسمية أن اشراتيت في بعض حروبهم مع بني عمومتهم ألجأهم هؤلاء لأكل جلود البقر؛ حيث استاقوا أنعامهم كلها، فصاروا بذلك مثل الدببة التي تأكل الجلود، بينما أطلق على بني عمومتهم ومنافسهم أبكاك؛ لأنهم أرغموا هم الآخرون على الوجود في مكان لا معاش فيه غير الكندر الأسود وهو أبكاك. والملاحظ أن أي طرف من المجموعتين لم يتحرج من هذه التسمية ولم يجد فيها منقصة بل اعتبرها مرحلة من مراحل الحرب التي تكون سجالا يوم لك يوم عليك. وقد صادف ذلك اشتعال الحرب بين أهل سيدي محمود (إدوالحاج) وكنتة، فتعزز البعض بالبعض وحالف كل جانب جانبا. فحالفت بعض مجموعات اشراتيت أهل سيدي محمود ودخل الكثير منهم في كونفدرالية أهل سيدي محمود وصاروا بحكم العصب والتناصر جزءا منهم.

إلا أننا نلاحظ في هذه الانقسامات المتتالية في ظرف ثلاثة عقود أنها كانت تحكمها القيم وتراعى فيها بعض الاعتبارات الدالة على الفضل وسعة الباع، فرغم أن الاستقطاب بين أطراف أدوعيش وصل في كثير من الأحيان إلى الاقتتال العنيف والمواجهات الدامية إلا أنكل طرف ظل يحتفظ للثاني بكثير من الإعجاب ويعامله بكثير من الإنصاف. وقد يقول قائل إن العداوة تمنع الإعجاب والتنافر يحول دون الإنصاف، لكن الواقع أن المجموعات الإدوعيشية رغم ما وقع بينها من انشقاق واسع وعداوة متمكنة كان من نتيجته أن أسست اشراتيت إمارة إدوعيش الجنوبية وأسست أبكاك إمارة إدوعيش الشمالية وتقابلتا في أكثر من يوم وتقاتلتا في أكثر من وقعة، إلا أنهم مع ذلك ظلوا بفرعيهم الجنوبي والشمالي يتعاملون بقيم الفروسية العربية وتقاليد الأصالة اللمتونية، فلئن فرقتهما الحروب وباعدت بينهما المصالح فقد ظل كل طرف يعترف للأخر بمكانته ولا ينسى أخوته، ويرى أن المطامح السياسية وإن باعدت بينهما فإن معانيَ الإباء تجمعهما وقيم الشهامة تقاربهما. وتروى في ذلك قصص كثيرة تعكس قيم الفروسية والنبل وتناسي الأحقاد وتجاوزها في سبيل نصرة الإخوة وكون الفرعين اشراتيت وأبكاك يجمعهما أكثر مما يفرقهما، وقد لا يتسع المجال لسرد قصص كثيرة يرويها كل طرف وتؤكد قيم الفروسية المتأصلة لدى جميع في هذا المقال المحدود.

 

إمارة إدوعيش الجنوبية.. مكانة المجال وجمال المكان

 

ورث المختار بن أحمد عن آبائه إمارة أو شياخة متسعة المجال ممتدة الأطراف (المصطلح الأكثر شيوعا في مجال إدوعيش هو الشياخة وليس الإمارة، والزعيم يعرف بالشِّيخ لا بالأمير على عكس ما هو مشهور في بعض الإمارات المغفرية الحسانية، وسنستعمل المصطلحين في هذا المقال للتعبير عن نفس المعنى)، وتتوسع المراجع المذكورة فوق في ذلك كمحاضرة الدكتور محمد المختار ولد محمد الهادي وكنصوص جورج پولى وولد أبن المقداد، والرائد جيليى والرائد أفرير جان والنقيب گاستون دوفور في سعة نفوذ اشراتيت التي يذكرون أنها تمتد من جنوب تگانت إلى الرگيبه وأجزاء من آفطوط (من مقامه إلى الحدود الموريتانية المالية)، ومن كثبان أفلة إلى ضفاف نهر صنهاجه (نهر السنغال). ويشكل هذا الفضاء قلب بلاد شنقيط النابض، ويجمع إلى جانب واحات النخيل وسلاسل الجبال السهول الخصبة  والرياض الغناء، وإلى جانب البطاح والحرار أخاديد المياه وضفاف نهرصنهاجة، فهو مجال يجمع تنوع التضاريس ووفرة الماء وجمال المناظر ملائما بين لوحات طبيعية تغنى بها الشعراء قديما وتركت ذكرها خالدا في الأدب الشعبي الحساني.

ومن خصال المختار بن أحمد -وما أكثر خصاله- أنه كان قد نشأ يتيما؛ إلا أن يتمه كان حافزا له على الجد المبكر والمثابرة الناضجة؛ إذ توفي عنه والده وهو دون السابعة من عمره، وكان الأسن من أسرته حيث يصغره أخوه، ورغم ذلك استرجع شياخة والده وجلس في مكانه وملأ الفراغ وسد المسَدَّ دون قلاقل تذكر ودون إحراج لأي طرف ولا هزات عاصفة أو حروب دامية. ولعل الدبلوماسية الناعمة واحتواء الخصوم وتقريب البعيد وتبجيل القريب والعطف على الجميع شكلت نقاط قوة الأمير المختار بن أحمد، فكان الخبير في انتزاع ما يريده بكل ديبوماسية، والماهر في تدبير الشؤون دون لجوء إلى القوة، والحريص على أن يعطي لكل أحد منزلته بل وزيادة على ذلك.

كان المختار بن أحمد يعتمد المشورة في كل قراراته كما يقال عنه بعيدا عن الاستفراد بالرأي، وحتى القرارات التي يمكنه أن يستبد فيها برأيه ويسمح له الآخرون بذلك فإنه كان يعرضها على جماعته مستشيرا ومستفهما ومحاولا إصدار الأمر عن طريق الجماعة لا اتخاذه بشكل فردي، فكان لا يَرِدُ الأمر إلا وهو محاط بأهل الرأي والمشورة منقومه، ولا يصدر إلا عن اتفاق الجميع. ويذكر أن هذه السمة كانت من سمات أمير إدوعيش الكبير امحمد شين بن بكار بن أعمر. 

ويبدو أن المختار جعل من المشورة سياسته ومن استعراض الآراء نهجه، فصار الرأي في حلته رأي الجماعة النابع عن المشورة والآخذ بعين الاعتبار جميع الحيثيات والرؤى. وربما يفسر هذا الأمرُ الإجماعَ الذي حظي به المختار بن أحمد والقبول الذي كان محاطا به، مع أنه لا شيء يدعوه لذلك فالسمة الغالبة في الإمارات والرئاسات الموريتانية قديما أن يكون الأمير واسطة العقد، لا يصدر رأي إلا عنه ولو بتفرد واستبداد، وهو ما لا نجده عند المختار بن أحمد.

عرف المختار بن أحمد كذلك بالحلم والكرم والتواضع وحب الفقراء والرفق بالضعفاء، وعفة اليد واللسان، والتعلق الشديد بتجسيد العدالة في نظام الحكم، وكان يقدر العلم وينزل أهله منازلهم، كما كان مثالاً في الشجاعة والفروسية وقيم البطولة والشهامة في ثنائية مألوفة يشكل تمثلها أحد شروط الفتوة ومتطلبات القيادة. ويعتبر اشراتيت عهد المختار ولد أحمد عصرهم الذهبي؛ نظراً لما اتصف به من عدل وصبر وأناة، إلى درجة أنهم يكادون يجمعون على أنه "أعز أبناء أمحمد شين في قومه".

وقد ظلت شياخة إدوعيش الجنوبية منذ الانقسام الثاني26-1827م لهذه المجموعة قلعة منيعة وفضاء جمع بين السيف والقلم، وبين الشجاعة والثقافة، وبين القوة والدبلوماسية، وبين إقراء الضيوف وقراءة الطلاب؛ حيث كبرى المحاظر الشنقيطية وحيث الفقهاء الكبار وسدنة العلم ومثابة طلاب العلم. وكان الأمير المختار بن أحمد قائدا لهذا المجال الغني بطبيعته، والحيوي بمكوناته الاجتماعية، والمتشبع بالثقافة والعلم والدرس والتأليف،والرابط بين شبكات تجارية ظلت لفترات طويلة تصل شمال البلاد وجنوبها وغربها بشرقها، بل تتعدى ذلك الى علاقات تجارية واسعة مع مناطق بالسنغال وأخرى بمالي.

 

الأمير المختار والتدبير الذكي للعلاقة مع الفرنسيين

 

أدرك الفرنسيون، الذي سيطروا مبكرا على مناطق واسعة في السنغال وأصبحوا على مرمى حجر من الإمارات الموريتانية، أدركوا بشكل مبكر أن إقامة علاقات مع إمارة إدوعيش الجنوبية أمر حيوي، سيسمح لهم بمغانم تجارية هائلة، وباكتشاف شبكات تبادل نشطة.

ويعود تاريخ أول اتفاقية لاشراتيت مع الفرنسيين إلىسنة 1857م، وذلك في عهد الأمير الرسول ولد أعلي ولد امحمد شين (أهل اعلي ولد الدّي). وتشير التواريخ المحلية إلى أن المختار ولد أحمد كان قد استلم شياخة اشراتيت من الشيخ الرسول ولد أعل ولد الدًي، لكن ونظراً لسياسة المختار الجامعة والتصالحية فإنه ترك لأهل أعل ولد الدّي الضريبية السنوية التي يمنحها الفرنسيون للأمراء الموريتانيين أو آمكبل مقابل حماية اشراتيت لحرية التبادل التجاري في محطات النهر، إضافة إلى محافظته على مكانة أهل أعل ولد الدّي في أشراتيت، ومن مظاهر مكانة أهل اعلي ولد الدي عند الأمير المختار ولد أحمد أنه طلب من المطرب الأديب الجيش ولد محمّادو تخصيصهم بمدحة خاصة فقال من نص جميل:

 

مَرْحَبْتِي حَتَّ بأهلْ أَعْلِ * وَلْ أَمْحَمَّدْ شَينْ أَمْجِيكُمْ 

وَمَرْحَبْتِي فَالْحَكْ ؤُبَلِّي * بِيكُمْ لَمَّرْحَبْنِي بِيكُمْ

مَعْطَاكُمْ لِلْمَالْ إِقَلِّي * وَامْجِيكُمْ لِلطَّامَعْ فِيكُمْ

وَالشّرْ الْمَوْعُودْ أَمَّلِّي * مَا يُعَدَّلْ مَاهُ بِيكُمْ

 

مَرْحَبْتِي حَتَّ بأهلْ أَعْلِ * وَلْ أَمْحَمَّدْ شَينْ أَمْجِيكُمْ

 

هذا وقد كثف الفرنسيون التواصل مع الأمير المختار الذي كلف وفدا للتفاوض باسمه يرأسه ابن عمه وصهره الشيخ بن الرسول بن امحمد شين، الذي وقع مع الفرنسيين اتفاقية في 1 فبراير 1892م. وقد أمضى عليها الشيخ بن الرسول نفسه وصنبَ بن محمد فال والفاهم سيدي. ومن المعلوم أن خُوَيديجَه بنت المختار بن أحمد كانت عقيلة الشيخ بن الرسول بن أعل بن أمحمد شين، وهو ما عزز علاقة الأمير المختار بن أحمد وأهل أعلي ولد الدّي (أمحمد شين)، وهو ما يجعلنا نفهم كيف أن الأمير الرسول بن اعلي بن امحمد شين تنازل عن قيادة اشراتيت لصالح المختار بن أحمد، وإن كان بعض المؤرخين يرى أن المختار أنتزع الشياخة انتزاعا، غير أن الواقع هو أن الأمير المختار بن أحمد ظل في انسجام تام مع أسرة أهل اعلي بن الدَّيْ ولذلك أكثر من دليل.

وهذه الاتفاقية فيما يبدو تحاول تنظيم العلاقات التجارية بين الفرنسيين وبين القبائل الكثيرة الواقعة مجال شياخة إدوعيش الجنوبية، وكل ذلك تحت أعين الإدارة الفرنسية بسان لويس بالسنغال وبرعايتها. وكان الفرنسيون قد أبرموا في الماضي مواثيق واتفاقيات تجارية عديدة مع إمارات الترارزة والبراكنة وآدرار ومع الجزء الشمالي من إمارة إدوعيش أي أبكاك، بل ومع قبائل غير أميرية مثل إدوالحاج الگبله وإدابلحسن وأولاد بالسباع وغير ذلك.

ويبدو أن اتفاقية 1892م بين الفرنسيين وإمارة إدوعيش الجنوبية لم تجد طريقها للتنفيذ أو لم تكن بالمستوى الذي يريده لها الفرنسيون، فما كان منهم إلا أن انتدبوا الترجمان الحصيف ذا العلاقات الواسعة بالزعامات المحلية، ولد أبنُ المقداد دودو سك، للتفاوض من جديد مع شياخة إدوعيش الجنوبية، من أجل التوصل إلى اتفاقية جديدة تحسن فيما يبدو الشروط التي يطمح لها الفرنسيون. وكان الترجمان ولد أبنُ المقداد أديبا خبيرا باللهجة الحسانية رغم أنه سنغالي وكان جامعا بين خدمة الفرنسيين في وفاء لا يخفى، وحب الموريتانيين في صفاء لا يبلى.

حل ولد أبنُ المقداد ضيفا على حلة اشراتيت سنة 1894م واستقبله أميرهم المختار بن أحمد بما يليق بضيف بمستوى ولد أبنُ المقداد، وقد جاءه بمقترح من الإدارة الفرنسية بمدينة سان لويس "اندر" يقضي بالتوقيع على اتفاقية تجارية مع الفرنسيين يستفيد منها الطرفان. ولا شك أن الفرنسيين يعرفون عن طريق استخباراتهم القوية أنه من المفيد لهم التقرب من الأمير المختار الذي كان في صراع مستمر مع ابن عمه الأمير بكار ولد اسويد أحمد أمير الفرع الشمالي من إمارة إدوعيش. وكثيرا ما أغضب الأمير بكار الفرنسيين نظرا لإيوائه الكثير من معارضيهم؛ حيث استضاف الأمير بكار عدوهم عبدول ببكر التكروري زعيم بوسيا، وعدوهم الثاني علي بوري زعيم ديولوف بالسنغال، وقد حل هذان الزعيمان ضيفين على حلة أبكاك نهاية القرن التاسع عشر.

تتكون الاتفاقية التي عرضها ولد أبنُ المقداد على أمير اشراتيت من 14 مادة منها ما يتعلق بتنظيم التجارة بين المراسي الفرنسية وبين الإمارة، ومنها ما هو عسكري يتعلق بتنسيق عسكري دقيق بين الطرفين.

ويبدو أن الأمير المختار، رغم استعداده لتنفيذ البنود التجارية للاتفاقية، إلا أنه كان متحفظا على الجوانب العسكرية منها، وقد يكون هذا أحد أسباب عدم رؤية هذه الاتفاقية للنور، وكونها ظلت حبرا على ورق كما يقال. 

ومما يؤكد العلاقة القوية بين الأمير المختار بن أحمد وبين بني عمومته أسرة أهل اعلي ولد الدي أن مشروع هذه الاتفاقية كان ثنائي التوقيع أي أن الاتفاقية تنص على وجود اسمي الأمير المختار وابن عمه وصهره الزعيم الشيخ بن الرسول بن اعلي بن امحمد شين. وهذه الثنائية لا تعني تنافسا بين أهل المختار وبين أهل اعلي بن الدَّيْ اطلاقا، بل تعني تلاحما وامتزاجا بين الأسرتين وصل إلى حد التفاهم التام على المصالح وتدبيرها، والتناغم الكامل على المواقف وتسييرها، وقد أشرنا آنفا إلى ميل الأمير المختار بن أحمد الشديد إلى التآلف لا إلى التخالف، وإلى الاحتواء لا إلى الالتواء، وإلى التقارب والإنصاف لا إلى التدابر والإجحاف.

وتنص الجوانب العسكرية لهذه الاتفاقية على إلزام شياخة إدوعيش الجنوبية بالمشاركة في المجهود الحربي الفرنسي في المنطقة، وتوفير الجمالة لتشكيل السرايا العسكرية وعمليات نقل الأمتعة والعتاد للجيش الفرنسي وهي أمور قاسية على اشراتيت؛ إذ ستجعلهم تحت الأوامر العسكرية وتلزمهم بالامتثال التام من غير مراجعة. وقد ذكر ولد أبنُ المقداد في تقريره أن الأمير المختار رد عليه بأن: "البيظان لا يطيعون زعماءهم". وهو رد دبلوماسي يحمل الكثير من المعاني، وقد فهم منه ولد أبنُ المقداد المعروف بحصافته تحفظ الأمير على الاتفاقية.

 

الأمير المختار بن أحمد.. الجهاد والهجرة

 

سيطرت فرنسا على مجال إمارة الترارزة سنة 1903م ثم اتجهت مشرقة نحو إمارة البراكنة بقيادة الأمير احمدُ بن سيدي اعلي حليف أمير اشراتيت المختار، فسيطرت على المجال البركني سنة 1904، ثم في سنة 1905م توجه الجيش الفرنسي نحو مجال إدوعيش بفرعيها الجنوبي اشراتيت والشمال أبكاك، فكانت معارك ومناوشات من أبرزها معركة بوگادوم في 26 محرم 1322هـ 13 ابريل 1905م حين أغار النقيب الفرنسي افريرجان حين أغار النقيب الفرنسي أفرير جان على الحِلَل الأميرية الإدوعيشية وخاصة حلة الأمير بكار عند بوگادوم في الرگيبة فتوفي الأمير الجليل والقائد الشهيد بكار ولد اسويد أحمد شهيدا رحمه الله تعالى.

انخرط الأمير المختار بن أحمد في المقاومة الموريتانية منذ بداية الزحف الفرنسي على البلاد، وشارك في جميع مراحلها قائدا وزعيما ومخططا ومشرفا، وقد سافر مرتين إلى المملكة المغربية مع غيره من الزعامات المحلية للحصول على السلاح والعدة والعتاد من السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ بن الحسن الأول، كما شارك في الكثير من المعارك. ولما انسدت السبل على المقاومة وتم تضييق الخناق على الموريتانيين اختار هو ومقربوه من زعماء اشراتيت الهجرة كما سنرى.

ولا بد أن نشير هنا إلى مشاركة الأمير المختار الفعالة في ما يعرف بغزّي الأركاب وهو الوفد العريض الذي ضم أغلب الزعامات الموريتانية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وسار نحو السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ بن الحسن الأول، وكان ذلك بتنسيق وتأطير الشيخ ماء العينين للحصول على السلاح لمواجهة الفرنسيين.

تمت تلك الوفادة الشهيرة التي قادها الشيخ ماء العينين ومعه زعماء قبائل موريتانيا وقبائل الصحراء الساعين للحصول على العدة والعتاد من السلطان المغربي المولى عبد الحفيظ بن الحسن الأول، وقد التقوا به في فاس، وكان الوفد كبيرا يناهز الألف، وكان من بينهم المختار بن أحمد ومحمد محمود بن سيدي المختار بن محمد محمود بن النهاه وغيرهما.

وقد حصلوا على بعض العدة من بنادق وغيرها، ورغم أنها لم تكن بالحجم الذي يمكنه مواجهة قوة عسكرية ضاربة مثل فرنسا، إلا أنها أعطت لجيوش المقاومة عتادا ودعما معنويا هامين. هذا فضلا عن انتداب السطان المغربي لابن عمه مولاي إدريس بن عبد الرحمن بن المولى سليمان، وقد بعثه إلى الشيخ ماء العينين في السمارة، وبعثه هذا الأخير مع ابنه الشيخ حسنَّ إلى موريتانيا؛ لتنسيق جهود المقاومة الموريتانية. 

وكان لنبأ قدوم مولاي إدريس إلى موريتانيا وقع إعلامي عظيم في صفوف المقاومة، وكان الجميع يعتقد أن بإمكانه رمي الفرنسيين في نهر السنغال فور ما تطأ أقدامه موريتانيا. وكان الأمير المختار بن أحمد ضمن الزعامات التي سبقت الشريف مولاي إدريس بقليل إلى موريتانيا، وقد اجتمعوا به لما حل بمدينة شنقيط في صيف سنة 1906، وقد اجتمع على هذا الشريف جمع لا يحصى يضم جميع الفصائل والقبائل البيضانية من تِنْبُكْتُ إلى المحيط الأطلسي، ومن رگ ولد هيبة إلى إيمركلي، ولم تبق قبيلة إلا وكان في جيشه من يمثلها. وكان المختار بن أحمد أحد المخططين العسكريين والمؤطرين للمقاومة إلى جانب الزعامات التقليدية التي وقفت مع الشريف مولاي إدريس، وخططت ودبرت ونفذت.

حضر الأمير المختار وقعة گلاگة في أكتوبر 1906م، ووقعة النييملان في نفس السنة، والنييملان موضع بالواد الأبيض بتگانت. وقد حضر الأمير المختار إلى جانب كتائب المقاومة التي حشدت ما بين خمسمائة إلى ستمائة مقاتل. فالتقى الجيشان المرويتاني والفرنسي في 24 أكتوبر 1906 بالنييملان وقد مات من جانب الفرنسيينضابطان هما: الرائد آندرييه (Lieutenant Anderieux) والرائد افرانسو (Lieutenant Fransu)، بالإضافة إلى الرقيب أول فلوريت (Sergent Fleurette)، ومات معهم العديد من الرماة. واستشهد من جانب المقاومة من إدوعيش: محمد المختار بن سيدي أحمد الأبات، وعثمان بن أعمر بن بكار بن اسويد أحمد، وعثمان بن المختار بن عثمان بن الرسول بن اعلي بابي، ومحمد بن بكار بن الهيبة بن اخنوف من الأنباط، وعثمان بن الرسول بن أعمر بن بكار بن أعمر بن امحمد بن خونَ، وأحمد بن محمد فال بن احميادة بن الدُّ بن أحمد بن عمر رئيس أولاد اعلي انتونفه، وحمادِ بن آجمار من السواكر ثم من أهل أگمنو. ولا يمكن أن ننسى الشهيدة النگرة بنت الحجوري ولد أسويدانه أم أحفاد المختار ولد أحمد التي كانت ضمن شهداء هذا اليوم المشهور. ومن إديجبة استشهد: عَالِ بن الشيخ القاضي، ومن تجكانت: سيدي محمد بن البيضاوي من أهل أية، ومن الأقلال: محمد الأغظف بن الشيخ بن الجودة رئيس أهل أحمد طالب في أربعين من الأقلال. ومن تندغة: أحمد بن أحمد بن الحسن بن مادي من أهل أعمر أگدبيجه.

كما ساهم الأمير المختار بفعالية في حصار الفرنسيين في تجگجه طيلة شهر نوفمبر 1906م. وكان هذا الحصار بعيد وقعة النييملان، وقد تكبد فيها الفرنسيون خسائر بشرية ومادية جليلة.

ومما يذكر أن الأمير المختار وهو في طريق العودة من المغرب نزل في موضعا يعرف بحسي آتيلَه، فأرسل رسولا إلى قومه يخبرهم بمجيئه وأين وصل، وكان فرحا في الحلة لا يقاس وابتهاجا لا يضاهيه ابتهاج. فغبت في ذلك عويشه بنت أعمر بن سدوم بن انجرتُ "شورها" المعروف:

يا أَشْراتيتْ المخطار انْزَلْ أَحْسَيْ آتيلَه ..

يا أَشْراتِيتْ المُخطار انْزَلْ أَحْسَيْ آتِيلَه ..

 

فقال له ابن الطلبة العلوي:

شِيْخْ اعْرَبْ گنّادَ * مَنْ مَمْشَاهْ انْكَادَ

وخَسْرَتْ كَمْ مَنْ عَادَ * وَامْسَالَ جَمِيلَ

شِيْخْ أَعْرَبْ لَمْكَادَ * وشِيخْ أَعْرَبْ لَمْسِيلَ

وازْوَيْرَتْ غَرَادَ * واتْوَيْمِيرَتْ قِيلَ

 

ويذكر في الرواية أن گنّادَ وأم أفرَيْوْ من الأسماء القديمة لتگانت

وهو ما يظهر مكانة المختار الشعبية، وتخليد صورته في الأدب والفن.

غير أن المجاعات التي اجتاحت مناطق موريتانية وخصوصا الشمال حيث تتمركز جيوش المقاومة، فضلا عن وقوع المغرب تحت الوصاية الفرنسية وهو ما يعني التوقف النهائي للدعم الرسمي المغربي للمقاومة الموريتانية، كما تقوى إحكام الفرنسيين لسيطرتهم على أغلب مناطق موريتانيا كل هذا كان له بليغ الأثر في المقاومة الموريتانية بل وأصابها في مقتل، فتوالت مكاتبات القبائل والزعامات التقليدية. فكاتب الأمير الحسين بن بكار أمير أبكاك الفرنسيين، كما كاتبهم محمد محمود بن سيدي المختار زعيم أهل سيدي محمود، بعد أن خاب أمله هو وغيره من الزعامات في الحصول على السلاح من المغرب، فكاتب الفرنسيين في مدينة خاي المالية. وهكذا توالت مكاتبة الزعامات مما حز في نفس الأمير المختار الذي لم يكن بحال من الأحوال يريد لتلك المكاتبة أن تتم، لكن أمر الله كان مفعولا.

وفي بداية سنة 1908 قرر الأمير المختار وزعامات اشراتيت الهجرة وتمشيا مع فتوى كان أولاد مايابى الجكنيون اليوسفيون قد حرروها في حكم الهجرة من بلاد تحت حكم النصارى. فتركوا بلادهم الغالية وذويهم المحببين وعشيرتهم الأقربين وسط إغراءات الفرنسيين وتلويحهم بالمغانم والمكاسب التي سيوفرونها لهم، لكن كل ذلك لم يثنهم ولم يفت في عضدهم، فتركوا البلاد في سبيل الحج والجوار في البقاع الطاهرة بعيدا عن مكان وطئه الفرنسيون. 

وبعد ذهاب المهاجرين من اشراتيت حاولت أسرة أهل المخطار ولد أمحمد شين محاولة أخيرة لإقناع المختار ولد أحمد بالعدول عن قرار الهجرة، فذهب وفد منهم في إثره وتلاحقوا به فى تيرس لكنه امتنع، فرجعوا إلى تگانت وتمت المكاتبة في مركز المجرية سنة 1908 على غرار ما فعله أبكاك وأهل سيدي محمود وغيرهم.

وتذكر الروايات الشائعة في منطقة الرگيبة وغيرها أن الفرنسيين عرضوا على الأمير المختار بن أحمد الاتفاق معهم والإبقاء على إمارته وامتيازاته، وذلك بواسطة سَمِيِّه وابن أخيه المحبَّب إليه المختار بن عثمان. وكان جواب المختار المشهور: أنه عاش حراً ولن يقبل غير ذلك بعدما بلغ من الكِبر عتِيّا، وقد شب على ذلك وشاب، وسيلقى ربه على تلك الحال.

ثم هاجر ومعه أربعة وعشرون رجلا من سادة قومه وقادتهم مثل: شيخ أجلالفة المجاهد أعلِي ولد فال ولد منكوس، وشيخ أندايات المجاهد عثمان ولد أعليلوات، والبطل المجاهد أعلي ولد المامي، والبطل المجاهد المختار ولد عمارُ وغيرهم من أعمدة اشراتيت، وهو ما يدل على اتفاق الكلمة على الأمير المختار في حله وترحاله وفي حضوره وغيبته.

وفي هجرة الأمير المختار بن احمد وجهاده يقول الأديب النبط بن سدّوم بن أنجرتُ:

المُخْطَارْ هاجَرْ بِيهْ الرّبْ ۞ وَالْقَلَظْ وَامْرَوَّتْ لَعْرَبْ

مَا گطْ يَكُونْ أُترَّبْ ۞ مَنْ شَرْ هُوَّ وَزّانُ

ولَاگطْ طامَعْ فِيهْ أَغْرَبْ ۞ مَا صَبْ أَعْلَ حَيْوَانُ

وَلَا گطْ فَالدّنْيَ صَرّبْ ۞ وَلَا گطْ خَصَّرْ فَازْمَانُ

وَامْنَيْنْ عَمْ الْكَفَرْ أَظْرَبْ ۞ وَالله وَكَّفْلُ شانُ

واتَّارَكْ أَلْ هاذَ وانْصبْ ۞ الاَشْياخْ وانْسَ وانْسَان

ومن شدة تعلق ساكنة المنطقة بالأمير المختار تلك الأغنية الشهيرة التي انتشرت بين ساكنة آدوابه أهل المخطار، ومطلعها:

يا مُولانَ جِيبْ المُخطارْ ..

يا مُولانَ جِيبْ المُخطارْ ..

يقول فيها رجل من أشراتيت :

أَتْجِيبْ أَلْ گطْ أَمْقَطْ * أَجْمِيعَتْ عَرْبْ أحْرارْ  

وهُوَّ زَادْ أَلْ گطْ * أَنْتَكلَتْ بِيهْ الدّار

وتقول الرواية إن وفد اشراتيت لما وصل إلى أرض تيرس وابتعد كثيرا عن أرض منطقته وأهله، وأظهرت النفوس اشتياقها إلى مواطنها وأبرزت القلوب تعلقها بمرابعها ورأى الأمير المختار في عيون بعض مرافقيه التي بدا وكأنها تستعطفه كي يعدل عن قرار الهجرة وتثيره كي ينثني عن قراره الصعب، فما كان منه إلا أن أبدى لهم ذراعيه وقد كساهما الشيب وقال لهم: كما تعلمون عشت حرا حتى شاب ذراعيَّ، فلا مقام لي في ظل النصارى، فهو هوان لن أرضاه الدهر ما حييت.

ويقول الباحث محمد ولد الدي إن الأمير المختار لم يغادر بلاده حتى شارك مع أبناء عمومته من إدوعيش في عشر معارك هي: ألاگ وشگار دعما للبراكنة، ومعارك مال وميت وانبود وگمل في آفطوط، ودرگل وانتاكش واتويزرزيت، وتنشيبة، والنيملان وحصار تجگجة في تگانت، وبو گادوم في الرگيبة وهي معارك امتدت من سنة 1903م الى نهاية 1906.

 

الوفاة في المهجر

 

توفي الأمير المختار مفارقا أرضا وطئها الكفار وتاركا ملكه وعشيرته وأرضه وأملاكه ومن تعلق به مهاجراً بدينه إلى الله ورسوله بعد أن استنفد كل سبل الجهاد، وكانت وفاته في حدود سنة 1911م في آگادير بجنوب المغرب وقد عاش حوالي 71 عاماً أمضى منها 45 سنة في قيادة أشراتيت، حيث تسلم مقاليد الحكم وهو في ربيعه السادس والعشرين، وكانت سنوات جهاده في مرحلة تجاوز فيها الستين مما يوحي بقوة الإرادة والعزيمة وبصدق الإيمان.

وفي حقيقة الأمر فإن مقالا واحدا لا يمكنه الإحاطة بالتعريف بالأمير المختار بن أحمد بن المختار الإدوعيشي، ولا الوقوف على معاني مواقفه، ولا توضيح وإجلاء الكثير من التطورات التاريخية التي عايشها وصنعها أو ساهم في صنعها، فقد يكون من الأولى تخصيص كتاب له يحيط بتلك الأبعاد، كتاب ينصف هذا الشيخ الجليل والأمير النبيل، بالوقوف عند عناصر ترجمته وتبيين مواقفه وتتبع مساره ومسيرته، فبذلك تكون المساهمة في كتابة تاريخنا وتخليد ذكر أعلامنا.

 

انتهى

أحد, 26/11/2023 - 20:29