اعتاد هذا الشعب المغلوب على أمره أن يرى في كل تغيير لرأس النظام أملا جديدا للخلاص من واقع يحمل في جميع مظاهره كل معاني الجائحة . فمن الهياكل تهذيب الجماهير ،التي لم يكن تهذيبها سوى صناعة نسخة جديدة من المعناة، إلى محو الأمية ومكافحة الفقر...
ليسَ سراً أن "منظومة" التعليم العالي تخضع منذ نشأتها لسيطرة لوبيات معينة، الأمر الذي أثّر بشكل سلبي على مردودية تلك المنظومة التي كانت ولاتزال حبيسة مناهج قديمة أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني بكتلة الرواتب الضّخمة التي تُدفع دون مقابل، ناهيك عن مئات الخريجين سنوياً الذين لاتتوفر فيهم معايير المنافسة التي تتطلبها سوق التشغيل المحلية، فالتعليم العالي بهذا
مابين شح المعلومة والسرية التي تحيط بكل قراراته عجز الفضوليون ،لحد الساعة، عن اختراق جدار الصمت الحائط بالقصر الرمادي، ورغم الشائعات التي تُطلق، عادة، في محاولة لتكريس واقع سياسي معين أو لفرض أصحاب القرار على تبني نهج بيعنه، فإن كل المحاولات التي تصب في هذا المضمار لم تأت أكلها بحسب المتابعين للشأن الموريتاني.
تعتبر السنة الدراسية 2019- 2020 من أصعب السنوات على المنظومة التروبية العالمية عموما وموريتانيا على وجه التحديد، فقد أعلنت اللجنة الوزارية المكلفة بجائحة كورونا في 14 مارس المنصرم تعليق الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد لمدة أسبوع ، ومع تطور انتشار الفيروس اضطرت اللجنة لتعليق الدراسة لمدة خمسة أشهر ونصف ، لم تستطع خلالها إيجاد بدائل للتلاميذ
يصعب فهم سر الخوف المتوارث بين حكام موريتانيا من أسلافهم، بدءاً من محمد خونه ولد هيدالة الذي طالب بعودة الرئيس الراحل المختار ولد داداه بعد تماثله للشفاء، فرد عليه الرئيس الفرنسي السابق فاليري ماري جورج جيسكار ديستان (1974-1981 ) بأن فرنسا "ليست محلقاً للسجون الموريتانية"، وانتهاء بعزيز الذي حاول التضييق على المرحوم اعلي المعروف بوطنيته وبعسكريته
ساهمت الكثير من العوامل المركبة والمعقدة في بعض الأحيان في تأزيم الوضع الداخلي الموريتاني، بدأ الأمر بمشكلة هُوية الدولة في ستينيات القرن الماضي، ثم حرب الصحراء، فجفاف سبعينيات القرن ذاته، وكان للعامل الخارجي المتمثل أساسا في مصالح المستعمر القديم دوره في تغذية ثنائية الهُوية وتغيير شكل الأنظمة المتعاقبة على تسيير البلد.
لم يعد خفياً أن الرئيس السابق كان يسعى للتحكم في خيوط اللعبة من خلال أذرع تأخذ عدة أشكال وتتموقع طبقاً لمعرفة الرجل بأسرار دولة خابرها أكثر من ثلاثة عقود، بدا ذلك واضحاً من خلال تعييناته في الوقت الضائع، فليس اختيار مدير ديوان مقربمنه لشغل منصب سفير موريتانيا في فرنسا سوى جزء من سيناريو له أبعاده الداخلية والخارجية.
ليس سراً أن معظم الرؤساء الذين حكموا موريتانيا، حاولوا بشتى الطرق أن يحافظوا على استمراريتهم في الحكم، لكن الأقدار شاءت أن تكون نهاياتهم متشابهة، فمن وصل منهم بالقوة أُخرج بالأساليب ذاتها التي استخدمها للوصول إلى السلطة، ربما يُشكل ولد عبد العزيز الرئيس السابق حالةً استثنائيةً لكونهاستطاع تحديد وجهته بنفسه، وإن كان ذلك تم على عجل، دون أن تُفرض عليه ا
كانت موريتانيا حتى ثمانينات القرن الماضي تعتمد على عقد اجتماعي متماسك تلعب فيه الأسرة الممدة دوراً كبيراً، الأمر الذي رسّخ سلطة المجتمع على الأفراد، وجعل المنظومة الأمنية الداخلية تحكم قبضتها بسهولة، بفضل مجانية وانسيابية المعلومات التي تتوفر لديها عن الأفراد الذين يمارسون ما يُعرف بالجرائم البدائية ( النشل وغيره...).
يبدو أن المراقبين للشّأن السياسي في البلد سئموا التّرقب وملوا الوقوف في المكان ذاته، تماماً كما فعلت المعارضة التقليدية التي بدأت منذ انتخاب الرئيس الحالي تبحث عن موطئ قدم لها ضمن النظام الجديد، الذي مازالت كلمات أسراره تُثير الكثير من الأسئلة لدى نخبة اعتادت على التملق الصريح لأنظمة تدفع علناً لمن يواري أخطاءها خلف إنجازات وهمية.